سمكة ذهبية في الباص

نُشر في April 18, 2007

أخبرني ريتشارد البارحة، ونحن ننتظر الباص في أحد شوارع برادفورد، أنه اقتنى منذ فترة سمكةً ذهبية كحيوان أليف. قال إنها دَجَّنَتْ نفسها بنفسِها مع مرور الزمن فأصبحَتْ تجنّ ناحية زجاج الأكواريوم كلما أقترب منه، أو ترتفع إلى سطح الماء كلما أوهمها بنثر الغذاء. تعرفني وتلحق إصبعي ، يضحك. يتابع ريتشارد الحديث عن كيفية اعتنائه بحيوانه الأليف مورِداً أدق التفاصيل، وهو يصعد إلى الباص. يتأخر الباص في الانطلاق على الرغم من امتلائه بعدد لا بأس به من الراكبين. وحدهما، صبي وفتاة يقفان في المقدمة ويتحدثان مع السائق، ولا يصعب على الناظر التأكد من أنّ الولدين يتميّزان بإعاقة ما، يطالبان السائق بأن ينتظر ويصرخان لأحدهم في الخارج كي يستعجل. فتاة هي أصغرهم في الخارج، تفتش في حقيبتها المدرسية. يقول صديقاها إنها لا [&hellip

المزيد...

عن جرائم قتل المراهقين التي تشغل بريطانيا

نُشر في February 21, 2007

ستمثل نعومي كامبل أمام المحكمة . ظلت شاشة ال بي بي سي تعلن ذلك مراراً وتكراراً على مدار اليوم. تهمة كامبل أنها غضبت فرمت خليوياً في وجه أحد عمال الفنادق. أهمية هذا الخبر بالنسبة إلى ال بي بي سي تكمن في أنّ كامبل… بريطانية. بالتزامن مع خبر كامبل، ظهرت العنصرية تجاه المشتركة الهندية في برنامج الأخ الأكبر . عمّت التظاهرات مدن الهند. سحبت الشركة الراعية دعمها البرنامج؟ لم تسحب الشركة دعمها؟ ازداد عدد المشاهدين. فازت المشتركة الهندية الجميلة. انتهى برنامج الأخ الأكبر . توقفت التظاهرات في الهند. أيام قليلة هادئة تقاطعها بعض الاعتقالات العادية في صفوف الإسلاميين لإحباط مؤامرة ما في مكان ما. الأمر عادي جداً. قيل لي مثلاً إن مؤامرة إرهابية من قبل طلاب إسلاميين في الجامعة هنا أجهضت [&hellip

المزيد...

“معلومات مش أكيدة”

نُشر في January 3, 2007

الضباب الإنكليزي أنهى العام الحافل كما يجب: إلغاء عشرات رحلات الطيران المحلية، عيد الميلاد بارد كما النمطية تقتضي أن يكون، والعام الجديد يبدأ مغبشاً. بدأت فترة الانتظار المعلَّق. أنظر أمامكَ وأنت تقود السيارة. المسّاحات تلتهم قطرات الندى إلى اليمين ومن ثم إلى اليسار. أنتَ لا ترى سوى المتر المقبل فقط من الطريق أمامك فضباب إنكلترا يبتلع المتبقي منها. تتخطى متراً فتلمح المتر المقبل، هكذا هي فترة الانتظار التي تعيشها: تلمحها متراً متراً، لا أكثر… لا أقل. في الحصاد الأخير، لا يسعكَ إلا أن تعيد النظر إلى ذلك المطرح المجنون، حيث تركتَ أشياءك الصغيرة في أمكنتها. تستذكر كل اللمحات الصغيرة التي لم تقدرها لحظتها بدافعٍ من صورة تريد أن تحافظ عليها أو غيرة سببها عزة نفس شكلية. أشياؤك الصغيرة يعلوها الغبار، [&hellip

المزيد...

التطرف في الصفحة الأولى

نُشر في December 27, 2006

في صغري، درجت معلمة الإنكليزية على إسماعي الجملة الآتية: أنظر إلى السياق الذي وردت فيه الكلمة، تفهم معناها . أنا الآن داخل غرفتي في إحدى مدن شمال بريطانيا، داخل السياق تماماً، لكنني لا أفهم. الشتاء مختلف هنا. لا أفهم كيف يسمون البصق النازل من الأعلى مطراً. الشتاء هنا غيم يحجب السماء نهاراً وريح تعوي خارج النافذة ليلاً. إلاّ المطر يأبى أن يكون متطرفاً. يمضي للحظات كرذاذ البحر ثم يتوقف قبل أن يعاود لمساته السمجة على وجهك. التطرف موجود دائماً في الصفحة الأولى. دائماً تجد الجريمة. إنتقِ ما شئت: اغتصاب، قتل، جنس. إبدأ نهارك بأخبار خارجة عن المألوف. جريمة الأسبوع: سفاح المومسات. ثلاث مومسات والعدد إلى تصاعد. الشرطة تسابق الزمن. إنه موسم الأعياد ينقلب جحيماً على كل مومس تمضي ليلتها في [&hellip

المزيد...

“إضغط على الزر”

نُشر في December 13, 2006

تعتذر مني الممرضة للمرة الرابعة عن حرب تموز على الرغم من أنني لم أطالبها بأي توضيح. جنسيتي أفضت إلى مثل ذلك الحديث. تؤكد لي أن لا علاقة لها أو لشعبها بما جرى. لم تساند الحرب ولن تساندها يوماً. تحيلني إلى موظف في البيت الأبيض. تفند لي بالأقوال أنه هو المسؤول، أما دميته هنا فلا تهتم لها. لا تلحظه. هو غير موجود بالنسبة إليها وإلى كثيرين. تقيس لي ضغطي وتسألني عن عائلتي خلال الحرب. أجيبها بأنهم كانوا بعيدين عن ضاحية بيروت. لكنهم يشاهدون كل شيء من الشرفة: الأضواء القاتلة والأصوات التي تزداد كتماناً مع تطور الأسلحة. تجزع عيناها تماماً مثل كثر يشاهدون الحروب عبر التلفاز. هل أخبرها أنه خلال الحرب يلتقي أقرباء بعد غياب، يأكلون البزر والفشار ويخترعون النكات؟ لا. فلأدعها [&hellip

المزيد...

تذكّر الخامس من نوفمبر: البارود والخيانة والخطة

نُشر في November 15, 2006

كأنَّ الحدث هنا يلغي سابقه. النقاش حول النقاب يختفي ليحل مكانه نقاش لا يقل حدة عن أحقية الشرطة بالاحتفاظ بالأحماض النووية الخاصة بأناس معظمهم تمت تبرئتهم من التهم التي وجهت إليهم. طوني بلير يؤكد على أهمية بنك الأحماض النووية التابع للشرطة. يقول إنه يجعل بريطانيا أكثر أماناً ولتذهب الحرية الشخصية إلى الجحيم. الأمان المفترض ذاته كان دافعه الرئيسي للمشاركة في حرب العراق. أمان الداخل فيعتمد على سحق إرهاب الخارج والعين الساهرة تراقب من أعلى وتسجل أدق التفاصيل. سجلي يا عين أنَّ كل هذه الحياة المعولمة لا تمنع الناس من الاحتفال كلما سنحت لهم الفرصة. يمرّ تاريخ 5 تشرين الثاني بكافة تلاوينه هنا. عشرات الآلاف يتجهون إلى المساحات الخضراء المتواجدة على أطراف المدن. يحتفلون هناك بمرور 400 عام على إفشال مخطط [&hellip

المزيد...

“باكستان” إنكلترة

نُشر في November 1, 2006

العروس الباكستانية تلبس فستان العرس السكَّري لا الأبيض في الحديقة الخضراء وتبتسم. تلتقط صورها مع عريسها الآتي من وراء الحدود. يحتضنها لتأريخ اللحظة. غداً، تصبح لحظتهما هذه حاضرةً فوق رف خشبي، مواكبةً نمط الحياة الجديد. تصير قطعةً من الديكور تعرض أمام الزائرين. بعد شهور، تنضم إليها صورة الطفل الأول. تحتفي به العائلة كمن يؤكد على نجاح المهمة الأولى. باختصار، للعائلة في المجتمع الباكستاني في برادفورد أهمية خاصة. تشعرك البيوت المرصوصة هنا أنك تعيش في حزام بؤس. لكن أغلب القاطنين هنا هم من الباكستانيين الذين يشتهرون بأعمالهم التجارية الناجحة التي تدر عليهم أموالاً طائلة. لمَ الإصرار إذاً على العيش في بيوتٍ تبدو كأنها نجت من حرائق؟ لِمَ ترى البيوت تشتم أصحابها كلما نظرتَ إليها؟ هنا، معظم البيوت تملك مسحةً سوداء. توحي [&hellip

المزيد...

الغزال الجامح

نُشر في October 18, 2006

نحن لسنا فقط أسرى تاريخنا، نحن حبيسو اللحظة الراهنة . هكذا يلخص صديقي الفلسطيني يومياته في الشتات. لا التاريخ منصف، ولا اللحظة الراهنة مطمئنة. ينظر بعين من الأسى إلى المناوشات الداخلية. هنا، في مانشستر، يحتدم النقاش بين الشباب الفلسطينيين. كيف نعيد تظهير مأساتنا في الأدب من دون أن نقع في دائرة التكرار؟ يقول البعض أن حس الفكاهة الأسود بات يلف معظم الأعمال الأدبية والفنية الفلسطينية، ويذهبون إلى قول أن السخرية تعبر أكثر من النكد . يرد آخرون بأنها ليست القاعدة. محمود درويش أبعد ما يكون عن الفكاهة . تتعالى الضحكات ويُتابَع الموضوع. يتوجس قلة من وقوع الفكاهة في دائرة العبثية، يُرَدّ عليهم بأن الواقع ذاته عبثي أسود والناس لا تستطيع إلا أن تتابع التندر. الفكاهة تتوازى مع البلاء، والحياة تنمو [&hellip

المزيد...

في انتظار الباص

نُشر في September 20, 2006

تأخر الباص. عباءة آسيوية تقترب من حيث أنتظر في الموقف. شاربٌ كث ينضم إلينا بعد لحظات. الشارب الكث يجرّ أمامه كرشاً شرهاً. يبدو مشرقياً هذا الشارب. أحتفظ بصمتي. كنتُ مكسيكياً في باريس ولا أبدو مشرقياً هنا. أنا باكستاني لا يتكلم لغة الأوردو وعليّ أن أوضح ذلك مرة تلو الأخرى. تسألني العباءة الآسيوية إن كان الباص سيتأخر. أجيبها بأنني لا أتكلم اللغة. أَوْقِف اللقطة هنا. أَعِدْها. الصليب الأشقر يقترب منا. الصليب الأشقر يذكِّر العباءة بتصريحات الصليب السادس عشر الأخيرة. تعدِّل العباءة من وضعية حجاب الرأس. الصليب يظهر أكثر مما يخفي، والعباءة تخفي أكثر مما تظهر. الكرش الشره يتلمس شاربه الكث بأطراف أصابعه ناظراً إلى الصليب. أنا أكتفي بالمراقبة. سيارة تمر بالقرب منا. شيء يشبه الموسيقى ينبعث من مكبراتٍ رُكِّبَت قسراً فيها. [&hellip

المزيد...