سمكة ذهبية في الباص
نُشر في April 18, 2007
أخبرني ريتشارد البارحة، ونحن ننتظر الباص في أحد شوارع برادفورد، أنه اقتنى منذ فترة سمكةً ذهبية كحيوان أليف. قال إنها دَجَّنَتْ نفسها بنفسِها مع مرور الزمن فأصبحَتْ تجنّ ناحية زجاج الأكواريوم كلما أقترب منه، أو ترتفع إلى سطح الماء كلما أوهمها بنثر الغذاء. تعرفني وتلحق إصبعي ، يضحك. يتابع ريتشارد الحديث عن كيفية اعتنائه بحيوانه الأليف مورِداً أدق التفاصيل، وهو يصعد إلى الباص.
يتأخر الباص في الانطلاق على الرغم من امتلائه بعدد لا بأس به من الراكبين. وحدهما، صبي وفتاة يقفان في المقدمة ويتحدثان مع السائق، ولا يصعب على الناظر التأكد من أنّ الولدين يتميّزان بإعاقة ما، يطالبان السائق بأن ينتظر ويصرخان لأحدهم في الخارج كي يستعجل.
فتاة هي أصغرهم في الخارج، تفتش في حقيبتها المدرسية. يقول صديقاها إنها لا تجد بطاقة الباص. ينتظر السائق خمس دقائق كانت الصغيرة خلالها قد أفرغَتْ كل ما في حقيبتها في الخارج بلا جدوى. يطلب السائق منهما أن دعوتها إلى الصعود، من دون أن تدفع. لا بأس ، يقول. يوصلان لها الرسالة من مكانهما في المقدمة بفرحٍ متطرّف. الصغيرة تعيد حاجياتها وتبدأ بتفتيش معطفها وتقول لهم أن ينتظروا. يحفّزها رفيقاها أكثر فلا تلتفت إلى رغبتهما. تنتهي من تفتيش معطفها فتنتقل إلى بنطالها المدرسي. تجد البطاقة في آخر جيب فتّشت فيه. تسرع صاعدةً الباص وشاهرةً إياها بفرحِ من أنجز أمراً مهماً.
يقفل الباب. ينطلق الباص. تبتسم الصغيرة ثم تضحك. كل هؤلاء انتظروها. لم يكن هذا الانتظار مدعاة سرورها. كان فرحها وليد اللحظة التي شهَرَتْ فيها بطاقة الباص بوجه السائق مثلها مثل الآخرين. كأنها تقول له بمنتهى المباشَرة: أعرف حالتي الخَلْقِيَّة، لكنك ستعاملني كما الآخرين. أصعد ببطاقة، لا بالمجان.
انضمَّت إلى رفيقيها وجلسوا في المقاعد الخلفية. ضحكوا كثيراً. كانت ضحكاتهم مجلجلة لا تعترف برسمية ركاب الباص المجهولين. يبدو الثلاثة نسخاً متماثلة عن بعضهم البعض بالنسبة إلى ركاب الباص. بيشبهو بعضن ، تعلَن دائماً ببساطة وشفقة.
لم تشبه الصغيرة الكثيرين من مكتملي النوم لحظةَ أبت أن تصعد إلى الباص بلا البطاقة. هي ليست سمكةً ذهبية دُجِّنَتْ فعاشت محدودة الإقامة. هي عادت بالسمك المذهَّب إلى رمزيته البوذيّة. تسبح بحريّة في المحيط الوجه الآخر لعالم المعاناة من دون أن تخاف، من دون أن تغرق.
(المملكة المتحدة)
نًشر في شباب السفير في 18 نيسان 2007