في انتظار الباص

نُشر في September 20, 2006

Share Button

تأخر الباص.
عباءة آسيوية تقترب من حيث أنتظر في الموقف.
شاربٌ كث ينضم إلينا بعد لحظات. الشارب الكث يجرّ أمامه كرشاً شرهاً. يبدو مشرقياً هذا الشارب.
أحتفظ بصمتي. كنتُ مكسيكياً في باريس ولا أبدو مشرقياً هنا. أنا باكستاني لا يتكلم لغة الأوردو وعليّ أن أوضح ذلك مرة تلو الأخرى. تسألني العباءة الآسيوية إن كان الباص سيتأخر. أجيبها بأنني لا أتكلم اللغة.
أَوْقِف اللقطة هنا. أَعِدْها.
الصليب الأشقر يقترب منا. الصليب الأشقر يذكِّر العباءة بتصريحات الصليب السادس عشر الأخيرة. تعدِّل العباءة من وضعية حجاب الرأس. الصليب يظهر أكثر مما يخفي، والعباءة تخفي أكثر مما تظهر.
الكرش الشره يتلمس شاربه الكث بأطراف أصابعه ناظراً إلى الصليب. أنا أكتفي بالمراقبة.
سيارة تمر بالقرب منا. شيء يشبه الموسيقى ينبعث من مكبراتٍ رُكِّبَت قسراً فيها. هل أنا في بيروت؟ لا. السيارة لا تحوي أضواء زرقاء ممنوعة تغمزك في كل ثانية. حتماً، أنا لست في بيروت.
بنطال أسود ضيق يقترب بفوضى حَلَقِيَّة منا. البنطال الضيق والحَلَق الفضي – المزروع أينما كان وكيفما كان – يتشاركان النقمة على كل شيء. يحتفظان بالنقمة ولا يفعلان شيئاً تجاه ذاك ال كل شيء . لا يتدخل الناقمان بشؤون أحد. هما ناقمان على الباص، وسيصعدان الباص.
أين الباص اللعين؟
الأم العازبة تجر وليدها أمامها باتجاهنا. الكرش الشره يكثر من تلمس الشارب الكث. الشارب الكث يتلمس أعلى الكرش الشره. يقترب الشارب الشره من الطفل ويداعبه. يغلب على العازبة طبع الجفاء. يبدو أنها صادفت شارباً شرهاً قبل ذلك أفضى بها إلى هذا الوليد.
الباص يقترب.
الشره يبتعد عن الطفل مستسلماً لجفاء العازبة.
العباءة ما زالت ترمق الصليب الأشقر والشره ينقل مداعباته ناحيتها.
الناقمان يتشاركان ابتعادهما عن المنتظرين، عن المجتمع.
العازبة تهتم بطفلها وأنا أول الواصلين إلى الموقف أقف في المقدمة.
الباص يقترب. يتخطانا. لا يقف.
لِمَ لَمْ تلوِّح له؟ ، أتلقى السؤال بالأوردو، بالإنكليزية التقليدية، بالإنكليزية الناقمة، بالإنكليزية المشرقية. يتشارك الجميع نقمتهم علي.
علينا أن ننتظر مدة ربع ساعة أخرى.
(نُشِرَ في شباب السفير في 20 أيلول 2006)