تذكّر الخامس من نوفمبر: البارود والخيانة والخطة

نُشر في November 15, 2006

Share Button

كأنَّ الحدث هنا يلغي سابقه. النقاش حول النقاب يختفي ليحل مكانه نقاش لا يقل حدة عن أحقية الشرطة بالاحتفاظ بالأحماض النووية الخاصة بأناس معظمهم تمت تبرئتهم من التهم التي وجهت إليهم. طوني بلير يؤكد على أهمية بنك الأحماض النووية التابع للشرطة. يقول إنه يجعل بريطانيا أكثر أماناً ولتذهب الحرية الشخصية إلى الجحيم. الأمان المفترض ذاته كان دافعه الرئيسي للمشاركة في حرب العراق. أمان الداخل فيعتمد على سحق إرهاب الخارج والعين الساهرة تراقب من أعلى وتسجل أدق التفاصيل.
سجلي يا عين أنَّ كل هذه الحياة المعولمة لا تمنع الناس من الاحتفال كلما سنحت لهم الفرصة. يمرّ تاريخ 5 تشرين الثاني بكافة تلاوينه هنا. عشرات الآلاف يتجهون إلى المساحات الخضراء المتواجدة على أطراف المدن. يحتفلون هناك بمرور 400 عام على إفشال مخطط تفجير البرلمان ومحاولة اغتيال الملك جايمس الأول. وُجِدَ صاحب الخطة حينها يمسك بالفتيل، فأُمْسِكَ وأُعْدِمِ كرمى لعيون أمان الداخل ونجاة النظام التشريعي.
جملة صاحب الخطة الشهيرة لا تزال تتردد:
تذكر… تذكر الخامس من نوفمبر: البارود والخيانة والخطة. لا. لن تجدوا سبباً لنسيان هذا كله .
وهكذا كان. يتذكرون كل 5 نوفمبر، فتتلوَّن السماء بألعاب نارية. البارود يختلط بما حولك من ذرات هواء، وخطتك الآن تقتصر على الخروج سالماً من بين الآلاف من غير أن تفقد باونداً أو بطاقة تعريف.
ليلة الألعاب النارية تليها أيام النقاش حول ترحيب الحكومة البريطانية بإعدام صدام. هنا، الإعدام ألغي منذ أربعين عاماً وهو يعتبر عملاً غير إنساني. لكن الإنسانية تصبح مسألة ذات نظر عند الوصول إلى إرهاب الخارج.
أما الخارج الدخيل في هذا البلد فمنتشر بكثرة ولا يندمج مع غيره. إن اندمج، يبدو هجيناً خاصةً مع تضارب الثقافة والمثل والأولويات. الوضع مثلاً يبدو ساخراً لحظة تطأ أرض أحد المجتمعات الباكستانية المغلقة البعيدة في طريقة عيشها عن المجتمع الإنكليزي. هم عارضوا الحرب على لبنان من منطلق الكره لإسرائيل ككيان. وهم عارضوا المشاركة في حرب العراق لتضامنهم مع مسلمي العراق. هم يعيدون القضايا برمتها إلى التزامهم الديني. أما بعض حلفائهم من الأحزاب الإنكليزية فيؤازرونهم من منطلق استعادة المركز السياسي الإنكليزي على الساحة الدولية. مركز سُلِب من الإنكليز بقناعة بلير ونهم بوش الذي لا ينتهي.. أو ربما بدأ يُعَلَّق مع فاجعة التفوق الديموقراطي الأخير.
عطفاً على ذلك، يملأ التهكم جريدة الإندبندنت . إحدى الصفحات مخصصة فقط لصور صقور الإدارة الأميركية وحلفائها. تقول الصحيفة إنهم يسقطون واحداً تلو الآخر. تتوخى شطب من رحل بالأحمر القاني لا بلون آخر. الإنتخابات برمتها يُنظَر إليها من مبدأ سقوط من يدجِّن الوجود الإنكليزي السياسي في المحافل الدولية وإن تم التدجين بموافقة بلير. هو راحلٌ راحل يؤكدون.
السخرية تأخذ مداها لما يصير انتخابك للديموقراطيين استفتاء على فشل الحرب على العراق فيما انتخابك لجمهوريي جورج بوش ينقلب دعماً للعائلة خوفاً من إقرار حقوق المثليين.
هي فوضى نظيفة لكنَّ النسيان يعدّ فعل إرادة في بعض الأحيان، واللا مبالاة قد تحفزك على الاستمرار على الرغم من كل الأحداث المحيطة. لكن هل تستطيع أن تتخذ مثل هذا القرار، أنت من ينتمي إلى بلدٍ، النسيان فيه جريمة؟
(لندن)

نُشِرَت في شباب السفير في 15 تشرين الثاني 2006