“معلومات مش أكيدة”

نُشر في January 3, 2007

Share Button

الضباب الإنكليزي أنهى العام الحافل كما يجب: إلغاء عشرات رحلات الطيران المحلية، عيد الميلاد بارد كما النمطية تقتضي أن يكون، والعام الجديد يبدأ مغبشاً. بدأت فترة الانتظار المعلَّق. أنظر أمامكَ وأنت تقود السيارة. المسّاحات تلتهم قطرات الندى إلى اليمين ومن ثم إلى اليسار. أنتَ لا ترى سوى المتر المقبل فقط من الطريق أمامك فضباب إنكلترا يبتلع المتبقي منها. تتخطى متراً فتلمح المتر المقبل، هكذا هي فترة الانتظار التي تعيشها: تلمحها متراً متراً، لا أكثر… لا أقل.
في الحصاد الأخير، لا يسعكَ إلا أن تعيد النظر إلى ذلك المطرح المجنون، حيث تركتَ أشياءك الصغيرة في أمكنتها. تستذكر كل اللمحات الصغيرة التي لم تقدرها لحظتها بدافعٍ من صورة تريد أن تحافظ عليها أو غيرة سببها عزة نفس شكلية. أشياؤك الصغيرة يعلوها الغبار، مر بالقرب منها الكثير من الكلام التلفزيوني المقيت.
الأيام الأخيرة هنا يقضيها الإعلام الإخباري مروِّجاً لنصر بلير بوش الوحيد: إعدام صدام. كلام، كلام، كلام. ينتهي نقاش على القناة الاولى ليبدأ على الثانية. يُعلَّق الكلام عن لا إنسانية العقوبة. إنسَ الإنسانية مع الديكتاتوريات.
يلي ذلك كله خبر العراق ويمر بعدها الخبر الفلسطيني حيث التطرف و الاعتدال دائماً يتصارعان. الصومال تنضم في الأيام الاخيرة والسودان في فترة استراحة (؟) قبل الشوط الثاني. وبين كل هذا وذاك، تعاني صديقة الأمير وليم من إحباط سببه احتمال خدمة الأمير العسكرية في العراق. وسط ذلك كله، يصرّ المجتمع الدولي على واجبه الفوقي المقدس الذي يحتم تصدير ثقافته المعتدلة إلى ملايين الكرة الأرضية المتطرفين .
العالم يستحيل معسكرين بسهولة فائقة، تماماً كما دأبت هوليوود على الترويج لعقود: الطيبون والأشرار. تصبح أنت نفسك رقماً هنا أو هناك رغبتَ أم لم ترغب. أنت تستحيل شريراً بالمفهوم المعتدل المروَّج له بقوة. تصبح خارجاً عن الإجماع المدني المتنور. ظلاماً تنقلب شئتَ أم أبيت، عيباً كذلكَ الشحاذ عند زاوية الطريق الذي يستجدي قطعة معدنية بكل احترام متبعاً نجاحه في الحصول عليها بالشكر الموقر.
العام الحافل انتهى بتصريحات متشظيّة سواء هنا أو هناك. بائسة كانت نهاية العام ومع البؤس ينطفئ النور في معسكر الطيبين المعتدلين. أصدقاؤنا المعتدلون… ، يقول المعلِّق على إحدى القنوات ويكمل مستفيضاً عن تصدير الثقافة الجديدة. النظام الجديد آتٍ من رحم الفوضى وبدعم من المعتدلين أنفسهم. إفرح يا قلبي ، تغني كوكب الشرق في الخلفية. تبشرني، النور آتٍ لينظفني من دنس التراكمات الخشبية.
على أنّ الضباب غير المتوقَّع قد يغطي النور المتوخى تصديره قريباً لجماعة المعتدلين. للتأكد، علينا تخطي فترة الانتظار بضبابها، نورها المفترض وفوضاها الأكيدة.
يبدأ عام جديد بعد قليل. وحده بيانو زياد رحباني يكمل وحيداً متخطياً فترة الانتظار هذه مؤكداً: مع إنو خلصنا أنا وياّك.. هيدي معلومات مش أكيدة .
(لندن)
نُشِرَت في شباب السفير في 3 كانون الثاني 2007