“وأتباهى بمجدك يا وطَنْطَنْ”

نُشر في May 5, 2008

التلفاز ضاق ذرعاً بهدوءٍ انتقالي بين عنفيْن، لكنه لم يعلن بعد عن سأمه. أحدنا الآن يفتح باب شقته ولا يلقي نظرة على تلفازه، وتلفازه يتأفف. تنقطع عنه كهرباء الدولة للحظة. يشعر بالأكشن. يظنّ أن شيئاً ما سيحصل. لكنَّ أمله لا يلبث أن يخيب، ويدور المولد. إنها الحياة البديلة وقد حلَّتْ على الصندوق المحشو بالرقائق الالكترونية. يطالب الصندوق: ماس كهربائي يا جماعة. دارة مقفلة تحرق رقائقي. أتوحَّم على دخان يتصاعد مني يملك رائحة شبيهة برائحة البوشار المحروق. أرغب بصاعقة تمتد من شريط الستالايت لتحرق بدني وتحيله أسود. شيء ما! إثارة ما يا جماعة. أطالب بالإثارة! . التلفاز يصرخ، يستجدي، لكنه ما يلبث أن يستبشر خيراً. المذيعة صاحبة الحاجبَيْن المتراقصيْن لؤماً وفرحاً وتأكيداً ومِهَنيَّة تاريخية ظهرت على شاشته. إنها تذيع خبراً عاجلاً، [&hellip

المزيد...

صبيحة توقفت حربنا اللبنانية: سلام سينما*

نُشر في April 16, 2008

في الشارع، يركض الأولاد خلف الكرة، وتركض الكرة بدورها فوق غبار الطريق. وحدها السيارة الحمراء نظيفة لمّاعة. الأولاد يتعاركون، يستدعون شتائم آبائهم ليعنِّفوا بعضهم كلامياً. يركض الأولاد، ولا تمطر عليهم السماء. هم يغتسلون فقط بغبار الطريق. (ستفرغ والداتهم الرملَ من أحذيتهم عصراً، ويضعْنَهم في البانيو مساء. سيدلقْنَ الماء على أجسادهم المغبَّرة من طاسات معدنية بكميات محسوبة، ويشتمن الساعة التي خُلق فيها التراب). أجساد البنايات جرحى، خرقَها رصاص حربٍ قيل إنها توقفَتْ البارحة. (لم يتأكد الناس بعد من ذلك، حتى أجساد البنايات لم تصدِّق بعد. قارئي، لو دسَسْتَ إصبعَك في هذه الفجوة، لشعرْت بسخونة بارود البارحة). في البناية، جارة لا تطيق وجه زوجها العجوز، فتشتمه وتشتم أمه. في فسحات الأدراج، نسوة البناية يطبخْنَ اللوبياء بزيت في وعاء لم يخلَق أكبر منه [&hellip

المزيد...

جسدٌ ترفعه، فيقع عليك!

نُشر في January 23, 2008

1 في رواية لا تنبت جذور في السماء ليوسف حبشي الأشقر، يقول أنسي: الدم أقصر لذة. أنا أحب اللذات التي تطول. يجيبه اسكندر: جسدٌ وترفعه. إنه ثقيل. يشد إلى الأرض. يبلى ويذوب. لا ترفعه، فلا يقع. أتركه على الأرض قربك. 2 كونديرا تحدّث مرةً في إحدى رواياته عن البطء . قال إن البطء يتناسب عكسياً مع سرعة النسيان. يسرع من يريد أن ينسى. ينسى، فيسرع أكثر. يسرع أكثر، فلا يتوقف عن النسيان. هل رأيتم أحداً يخرج مهاناً من مكانٍ ما بخطوات بطيئة؟ ماذا عن ذاكرتنا الجماعية؟ هل نسرع لأننا نريد أن ننسى كل شيء؟ أن نمحو ما سبق؟ هل نريد أن نلبس أقنعة صفراء وندخل كسياسيينا في صحوات جماعية متتالية؟ هل يعشق سياسيونا أصلاً اللذات التي تطول؟ أم نحن من [&hellip

المزيد...

نوم الموتى قبل أن يستيقظوا

نُشر في December 19, 2007

كل هذا الهدوء. كل هذا الهدوء. لم نكن لنتوقع ذلك. يقول أحدهم لصديقه مواجهةً، في اتصال هاتفي، في رسالة إلكترونية ما، أو على ال أم أس أن . ينهض أحدهم إلى غرفته. رواية شاي أسود مقلوبة على السرير. حسام وربيع وعلاء والياس وسهى والوطواط وسوبرمان ولاكي لوك وتختخ يقبعون هناك بلا حركة. يفكّر أنّ هذا البلد يحتاج لرابطة عدل بقوى جبارة. يتذكر نص رفيقه عن المعاني الكثيرة الكامنة وراء عبارة هيدا البلد . يضحك. يتجه إلى رفوف المكتبة. بعد قليل سيفتح رواية كين ساي. نظرة أخيرة على المدينة. الكاتب نفسه يكتب عن مدينة ملعونة أخرى. الساحر. الصديقان. الملك. الخليلة. اللعنة، اللعنة، اللعنة. كل هذا موجود في الكتاب. كل هذا موجود في شقق البناية التي يسكنها أحدهم. يفكر: كل هذا الهدوء [&hellip

المزيد...

لبطلٍ منسيّ آخر وعالم لا يكترث

نُشر في August 1, 2007

كيف تخبرني أنَّك وحيد وأنَّ الشمس لا تشرق لك؟ دعني أقدْكَ يداً بيد داخل شوارع لندن. سأريكَ شيئاً لأجعلك تغيِّر رأيك . – من أغنية ل رالف ماك تِلْ طابق ثانٍ وجناحان في الطابق الثاني من الباص، تجلس. لحظةَ تعلو، تمتلك عالماً متخلياً وتتضخم لديك المقاييس. تخاف استدارات الباص. تتأكد لثوانٍ أنه سيرتطم بالسيارة الآتية قبل أن يخيب توقعك. وأنتَ في الأعلى، لا تثق بالسائق. ما زلْتَ لا تعرف الكثير هنا. ما زلْتَ تخطئ وتفتح باب السائق الأمامي الأيمن في سيارة رفيقك. ما زلْتَ تنظر للجهة الخاطئة من الشارع. لا تعرف كيف يبدأ نهارك وكيف ينتهي. لا تعرف حتّى إن حلّ الصيف أو انتهى الشتاء. فالشمس ما زالت حاضرة مع الريح الباردة، والحمام الأوروبي الوقِح يتَناتَش بقايا شطيرة في وسط [&hellip

المزيد...

“الكيتش”

نُشر في June 20, 2007

الكيتش هو النفي المُطلَق للقذارة بالمعنيين الأدبي والصُوَري للكلمة. (..) يعمل الكيتش على خلق عالم طاهر حيث الأجوبة كلها موجودة مسبقاً والأسئلة مطرودة. (..) هو ليس فقط عملاً قليل الذوق، بل يحتوي أيضاً على موقف وسلوك رخيصَيْن. هو حاجة الإنسان التافه إلى عمل رخيص، الحاجة إلى التحديق في مرآة أكذوبة التجميل، حتى تغرورق عيناه بدمع الفرح والرضى لرؤية انعكاس صورته الخاصة.    – ميلان كونديرا . الكلمة الألمانية التي اتُخِذَتْ في البداية للتعريف عن النفاية الخالصة تحوّل معناها تباعاً. قيل عن الكيتش إنه النفاية المحلاّة، أي الجمال ناقص جزؤه القذر . إذاً، هو الجمال المطلق مع غض النظر. هو النسخة عن نسخة فنسخة فنسخة في تقديمٍ جديد. هو الكليشيه أحياناً، القضية المحِقّة ممجوجةً على لسان أحدهم أو بتكرار سلبي. هكذا يربط [&hellip

المزيد...

هل رمى أحدٌ شريط الـ VHS؟

نُشر في May 23, 2007

على شريط VHS في بيروت، تقارير مسجّلة للحظاتٍ كانت أعظم من أن تُصَدَّق حينها، وأسهل من أن تُساءَل بكثيرٍ اليوم. الملاحق الإخبارية المفاجئة. إنسحاب العملاء. ابتسامات غير حيادية على الإطلاق، من المذيعين. آخرون يضحكون. البث الخارجي. الدبكة كاحتفال حاضر دوماً. الضحك. الآويها. الانهيار الجسدي الفَرِح. الخطابات. العودة. أرتال السيارات. الأيدي الممدودة من الزنزانات فرحاً هستيرياً، المشبوكة مع تلك الآتية لتفتح لها الباب. الأبواب التي تأبى أن تُفتَح لحظةَ الحماسة. جوليا بطرس في الخلفيّة ولا يهم إن لم تضِف موسيقاها جديداً فالموسيقى التصويرية تحتمي بقوة اللحظة. مع اللحظة يأتي الارتجاف غير المخطَّط له. تظهر الهستيريا. أقفز ببلهٍ طفولي. هي من المرات الأولى التي أقفز فيها. أنا لا أستسيغ حضور الماتشات الرياضية. سألوي رجلي من القفز، ولكن لا يهم. يحدث الآن شيء [&hellip

المزيد...

“لا تفتح الباب للغرباء”

نُشر في May 16, 2007

سنأتي قريباً لنتحقق من صحة المعلومات التي أوردتموها ، تقول الرسائل المتروكة عند مدخل غيرِ بيت. ال بي بي سي هي مؤسسة رسمية تحتاج إلى الدعم. ولذلك، على المواطن الإنكليزي أن يدفع ما يسمى رخصة مشاهدة التلفاز. هذه الرخصة تساعد ال بي بي سي على تقديم خدماتها التي تشمل 8 قنوات تلفزيونية، 10 شبكات إذاعية وأكثر من 50 تلفزيوناً محلياً، من دون تمرير إعلانات تجارية لتضمن بذلك استقلاليتها عن شركات الإعلان. داعمو الرخصة يقولون إنها تضمن عدم تحول قنوات ال بي بي سي إلى أدوات بث تجارية، وتسهم في عدم هبوط مستوى البرامج التي تعدّها وتبعدها قدر الإمكان عن الضغوط السياسية. أما بدل الرخصة فيصل في العام الواحد إلى 45.50 باونداً للتلفزيون الأبيض والأسود، ويرتفع إلى 135.50 باونداً للتلفزيون الملوّن. [&hellip

المزيد...

ابتسمت

نُشر في May 9, 2007

يجلس بملابسه الداخلية وحيداً في زاوية من غرفته المظلمة. ضوى برق كهربائي منذ لحظات. كان عائداً لينهي نهاره كما دائماً في عزلته الاختيارية. خلع ملابسه، أدار التدفئة الحرارية، ثم جلس هناك. صمت لثوانٍ، لدقائق. تنهد. قام ونظر إلى الرفوف الخشبية. ألبوم الصور مستقر إلى اليسار. يستذكر جدته. تقسِّم مراحل حياتها بحسب الأحداث السياسية الأشهر. لا تعلم متى ولدت. تعلم أنها شهدت في صغرها المجاعة وتعرفت إلى الجراد. بعدها سمعت في مراهقتها أن رجالاً حبسوا في قلعة ما وأن الفوضى عمّت فجأة ثم استتب الوضع وعاد الناس ليترحموا على الفرنساويي ثم دبت ثورة أخرى ثم أخمدت وفي أثناء ذلك ظهر ذلك الكاريزماتي التي أحبته. ثم كادت تتزوج من آخر لكن تنحي الكاريزماتي وامتداد الجَفْلة إلى شوارع بيروت لم يكتفِ فقط بإرجاء [&hellip

المزيد...