جسدٌ ترفعه، فيقع عليك!
نُشر في January 23, 2008
1
في رواية لا تنبت جذور في السماء ليوسف حبشي الأشقر، يقول أنسي: الدم أقصر لذة. أنا أحب اللذات التي تطول.
يجيبه اسكندر: جسدٌ وترفعه. إنه ثقيل. يشد إلى الأرض. يبلى ويذوب. لا ترفعه، فلا يقع. أتركه على الأرض قربك.
2
كونديرا تحدّث مرةً في إحدى رواياته عن البطء . قال إن البطء يتناسب عكسياً مع سرعة النسيان. يسرع من يريد أن ينسى. ينسى، فيسرع أكثر. يسرع أكثر، فلا يتوقف عن النسيان. هل رأيتم أحداً يخرج مهاناً من مكانٍ ما بخطوات بطيئة؟ ماذا عن ذاكرتنا الجماعية؟ هل نسرع لأننا نريد أن ننسى كل شيء؟ أن نمحو ما سبق؟ هل نريد أن نلبس أقنعة صفراء وندخل كسياسيينا في صحوات جماعية متتالية؟ هل يعشق سياسيونا أصلاً اللذات التي تطول؟ أم نحن من نتلذذ برفع أجسادهم، فتقع علينا ونتهشّم نحن عنها؟
3
الشعر الأبيض غزا مفرقه . أقرأ هذه الجملة، ولا أعرف لِمَ يذكرني فعل الغزو هذا بكلٍّ من جوزف سماحة وغرندايزر. لا تسألوني لماذا. أعرف فقط أن سماحة تحدَّث مرةً في سلام عابر عن المنطقة المباحة. ما المباح وما الممنوع فينا؟ كم منا يملك أدمغةً مباحة؟ كم منا امتلك شعراً أبيض، وأصبح طانيوس أو يوسف الانجليزي قبل الأوان؟
4
تشترك قصص الأطفال وأفلام الرعب في مشهد: تصل إحدى الشخصيات إلى بيتٍ يبدو مهجوراً. تدفع الباب بقدمها أو بيدها بحسب مقدار خوفها. تنزل قبعة المطر عن رأسها، إن كانت تمطر للتو في الخارج.
هل من أحد في الداخل؟ تصرخ بصوت مهتزّ.
تَرِدُ الجملة ذاتها في أغنية لبينك فلويد.
هل من أحد آخر داخل رؤوسنا؟ يعدو ويتوقف، يلتقط أنفاسه، ثم يتابع ركضه؟
أمامي، يشير الولد بسبابته إلى رأسه. يفصح: هون الصيصان!
صيصان صفراء تعدو داخل أدمغتنا؟
لا أستطيع أن أجزم. المغني في الأغنية يختم أيضاً: هذا كل شيء. لن تستطيع أن تفهم. لا أستطيع أن أصف لك أكثر.
العرض يجب أن يستمرّ؟
5
من يقرأ الآن عن كل هذه الأشياء؟ هل من أحد يلحق بكل ما قرأه؟ يلحق بالروائيين حتى أدنى تفاصيلهم التي أوردوها في كتبهم؟ يعرف بالمتابعة من يحب هذا أو ممن سرق ذاك؟ أو تلك الجملة محوَّرة من أي مصدر؟ هل من روائيٍّ، الآن في مكانٍ ما، يكتب ويعجز عن تكملة ما كتبه، فيرميه؟
الآن فعلياً، هل يتأفف أحد وهو يقرأ هذا النص، ويسأل ماذا يريد صاحبنا أن يثبِت؟
6
ربيع جابر يكتب دائماً نصوصاً صحافية تنتهي إلى مجموعة مهولة من الأسئلة.
السؤال 1: هل نتوقف يوماً عن السؤال؟
السؤال 2: من يجيب؟
الجواب 1: الصمت أبلغ الكلام؟
نُشِرَ في شباب السفير في 23 كانون الثاني 2008