هل رمى أحدٌ شريط الـ VHS؟
نُشر في May 23, 2007
على شريط VHS في بيروت، تقارير مسجّلة للحظاتٍ كانت أعظم من أن تُصَدَّق حينها، وأسهل من أن تُساءَل بكثيرٍ اليوم.
الملاحق الإخبارية المفاجئة. إنسحاب العملاء. ابتسامات غير حيادية على الإطلاق، من المذيعين. آخرون يضحكون. البث الخارجي. الدبكة كاحتفال حاضر دوماً. الضحك. الآويها. الانهيار الجسدي الفَرِح. الخطابات. العودة. أرتال السيارات. الأيدي الممدودة من الزنزانات فرحاً هستيرياً، المشبوكة مع تلك الآتية لتفتح لها الباب. الأبواب التي تأبى أن تُفتَح لحظةَ الحماسة. جوليا بطرس في الخلفيّة ولا يهم إن لم تضِف موسيقاها جديداً فالموسيقى التصويرية تحتمي بقوة اللحظة.
مع اللحظة يأتي الارتجاف غير المخطَّط له. تظهر الهستيريا. أقفز ببلهٍ طفولي. هي من المرات الأولى التي أقفز فيها. أنا لا أستسيغ حضور الماتشات الرياضية. سألوي رجلي من القفز، ولكن لا يهم. يحدث الآن شيء جديد في هذا التلفاز. تحدث بروفا لشيءٍ أكبر آتٍ، أفكّر حينها.
لو استطعْتُ، لسجلتُ أكثر على شريط ال VHS.
لأضفتُ صورتي طفلاً زائد الوزن على أحد مكاتب جريدة النداء أيام الحرب. لأضفْتُ أجزاء من المقالات الموقَّعة بتركيبٍ مقلوبٍ لإسمي قبل أن أولَد، حمايةً للعائلة من طارشي أماكن مقالات الجرائد بالأبيض. لأضفْتُ مشهد مروري طفلاً محمولاً بين ساعديّ أمي على الحاجز الإسرائيلي في صوفر، يوم غطّت عينيَّ كي لا أرى الجندي بالملابس الداكنة. لأدخلْتُ في الشريط مشاهد من عودة الإبن الضال فيلمي العربي المفضل مستثنياً استعراض الشارع لنا . لاستعدتُ بيروت يا بيروت مرةً أخرى وجعلْتُ أحمد الزين يكمش التراب ميتاً في المشهد النهائي. لوضعْتُ في الشريط كل نكباتي. كل الحماسة، كل اكتئاباتي ولا مبالاتي الموسمية. لأضفتُ الأغنيات الفيروزية التي أحب. لتراجعتُ لأنظر وأبتسم، وأنتظر أيام مراهقتي.
مراهقاً، سأُخفِت الراية الحمراء وأعلّي الصفراء في الشريط. سأفرقهما عقائدياً ومَلامَةً، وأجمعهما بعدها بلا تغيّر يذكر للظروف. سأجعل حاملي الرايات الأخرى ينتقلون بعدها إلى موقع الدفاع، لحظة النهوض الفجائي للبنان الحلم. سيصبحون ملزمين بتقديم اثبات يومي عن انتمائهم.
أما سارق الفرح فسيبقي الكثير وراءه: الألغام بين الحشائش والقنابل العنقودية تحت الرمال. لن يتوقّف عن استقاء معلوماته من الجو، وشفط المياه النهرية المتروكة للبحر، حيث يطفو سواد الصيف الماضي. سيحتفظ بأحياء وببقايا أجساد. سيستمرّ يقنص الأشخاص في شوارع بيروت وصيدا والبقاع على تفرّق يسمح باحتواء الفعلة وشرعنتها.
مرّ الكثير من لجم الغضب حتى الآن. سبع سنوات أفضَت إلى بهتان الصورة وظهور كثيف للخطوط الأفقية. يتبع ذلك عادةً الإظلام النهائي، ولفظ الفيديو للشريط خارجاً. لا يهم. هو مجرّد شريط. التاريخ أبقى. 25 أيار ليس يوماً. 25 أيار هو كل يوم منذ ال .82 لكنَّ التفاصيل تستحيل شياطين إذا ما مسّت العنوان. هي التفاصيل ذاتها التي سيُستَعان بها لإبهات لفظ المقاومة في الصحافة لعام أو عامين أو أكثر. سيُحاصَر اللفظ ب مزدوجين موضوعيين ، بجماعاتِ القاعدة التي تمعن في تشويه معناه، وبرغبةٍ في العيش الآني.
في بيروت، شريط VHS يعلوه الغبار. تقبع فيه حماستي التي خبرتها في 25 أيار2000. يُراكِم تاريخاً استغرق أقل من سبعة أعوام ليتعب.
هل رمى أحدٌ الشريط؟
(المملكة المتحدة)
نُشِرَت في شباب السفير في 23 أيار 2007