سارقة الملابس
نُشر في May 19, 2010
(إلى ر.)
تحتجزين في شقتك الصغيرة، شنطة كحلية اللون متضخمة، وملابس على ظهر الكرسي. تتجوّل الشنطة – بما فيها – من الكنبة إلى الكرسي الخشبي، ومن الكرسي الخشبي إلى الطاولة، ومن الطاولة تعود إلى ذراع الكرسي. يفتَح سحاّبها ويغلَق. أنا متيقِّن من ذلك. أكاد حتى أسمع صوت السحّاب إلى هنا، على بعد أميال من ساحة الكونكورد.
البارحة، أخبرتِني على الهاتف ضاحكة أنكِ أوصيتِ «اللفاية» أن تترك الأغراض على حالها على الكرسي، لكنَّك عدتِ مساءً لتجدي أنّ «البنت» قد تركت الشنطة كما هي، وأخذت الثياب التي الموجودة خارجها، غسلتها (على الأرجح بمسحوق ذي بلورات زرقاء تنظف أكثر)، وعلقتها داخل خزانة ملابسكِ. أفصحتِ عن الحادثة وأطلقتِ ضحكتكِ العالية تالياً.
هذا كله لغو. أنا ببساطة أحتاج ملابسي، ودعيني أبني موقفاً دفاعياً أشرح لكِ فيه لا أهمية احتفاظكِ بأشيائي:
أولاً: حذائي الرسمي الأسود موضوع داخل كيس نايلون لتجنب اختلاط رائحته. وأحذَركِ، لا تهديداً، بل خوفاً عليكِ، أن تفتحي الكيس. وهو على أي حال من قياس 43، ولن تستفيدي منه شخصياً بشيء، ثمّ إن الموضة النسائية لم تبلغ بعد حد استخدام أحذية رجالية مع ملابس رسمية لنهار عمل.
ثانياً: قنينة العطر التي رششتُ منها عندما زرتِك فيها، ليست «يوني – سكس». وأظنّكِ تعرفين هذا الآن، لأني مصمم على فكرة أنك أخرجتِها من الشنطة وتنشقتِ ما فيها، وليس في هذا عيب، فهو محض فضول نسائي عادي (أعرف اننا سنتخانق على هذا التوصيف قريباً).
ثالثاً: هناك حزامي البني العريض، الذي اشتريته من فترة قريبة، تحديداً منذ بدأت أضع قمصاني التي ألبسها تحت البناطيل لا فوقها بناء على نصيحتكِ. أحضرتُ الحزام معي خطأ. كانت غلطة مميتة. لكن فلنحلل الموضوع: فضلاً عن أنكِ ترينه جميلاً علي، بمَ ستستفيدين منه أنتِ يا عزيزتي؟
رابعاً: فرشاة الأسنان التي اشتريتُها لأنظف بها أسناني قبل ذلك اللقاء الحدث الذي تخلله كاميرات تلفزيون كثيرة، ولم أستخدمها وما زالت لم تفتَح. حسناً. سأثبت لك أني آدمي، ولا ألهث وراء شجار مفتَعَل. تستطعين الاحتفاظ بالفرشاة، وأستطيع شراء أخرى.
أعيدي لي ملابسي! بعد هذه الجملة المحذِّرة، لا أظنكِ ستحتفظين بثيابي أكثر. فأنا على يقين أنكِ لن تتحملي علامة تعجب جديدة مني أو جملة انكليزية صارخة كل أحرف كلماتها كبيرة. أعرف أنكِ لن تعرضي علاقتنا لمثل هذه الوطأة من العنف اللغوي. صح؟
أعلم أن الأمر لا يحتاج لكل هذا التحليل، لكنك تعرفينني، أحب المرافعات والألعاب. فماذا لو اجتمع الاثنان؟ مرافعة في لعبة: نص لن يضركِ، ومؤكد لن يضرني في شيء؟
طبعاً، أميل إلى الاعتقاد أن انشغالكِ في عملكِ، في أوراقكِ؛ وانشغالي في عملي، في شاشتي، هما ما يمنعاننا من لقاء بسيط لتقدمي لكِ الرهينة، وأعاهدكِ بالمناسبة (فيما لو حصل هذا اللقاء) أني سأستلمها من دون أن أطالب بأدنى اعتذار.
لكن الوقت يركض. وأنت تعلمين أنّ موعد سفري يقترب. حتى إني لم أعد أجد وقتاً للانتظار. ورغم معرفتنا بطيران الساعات، لم ننجح حتى الآن في اللقاء، لتبادل قُبل الوجنات الاجتماعية أولاً، ولنتخانق في السياسة ثانياً، ولأسرق بعضاً من سجائرك ثالثاً، ولتعلميني بإضافة شخصية جديدة إلى قائمة «الحبّ، الحبّ» خاصتكِ رابعاً. وللمناسبة، لمن لا يعرف، فإن هذه القائمة تضم شخصيات فاعلة اجتماعياً وثقافياً تراهم هي أمثلة عليا (مع أني ميال للاعتقاد أنكِ لا تؤمنين بالمثال الأعلى، لكن ما علينا).
اسمعي. وجدتُ حلاً. هناك بطل محلي، يلبس بذلة صفراء اللون، وأظن – والعليم أعلم – أن معطفه الطائر كحلي اللون، تماماً كشنطتي المحتجزة، والأرجح أني سأكتب عنه في روايتي التالية. البطل يدعى «ليبوس»، وهو بطل دعائي بالمناسبة لشبكة البريد المحلي. رأسه – كما تحضرني صورته الآن – مكعّب، وهو دائماً متغضن الحاجبين. لا تنسي أنّ البطل يجب عليه أن يشعر بالمسؤولية في أدنى تعبير حركي أو وجهي.
لمَ لا ترسلين ملابسي مع ليبوس؟ توجهي إلى أقرب مركز بريد، وأودعي الأغراض في طرد. ستكون فرصة لنختبر مدى فاعلية بريدنا المحلي؟ بسيطة، لا؟
الآن، لأهدّي النفوس، سأسرق لكِ شيئاً من روايتي المكتوبة (التي لم تقرأيها بعد)، وأجعل «ليبوس» يظهر في كادر من قصة مصورة أو ربما في إعلان ترويجي، طائراً. من فمه، يخرج سهم يشير إلى فقرة يود الإعلان/ القصة الإيحاء بأنه يقولها. الجملة تبسيطية، كليشيه، كيتش، ولا يمنع كل ذلك أنها حقيقية.
في الرسم يقول « ليبوس»: «ما أجمل الصداقة».
نُشِرَ في شباب السفير في 19 أيار 2010