زفافٌ يقترب

نُشر في March 17, 2010

Share Button

ننظر إلى سقف الغرفة: صُوَر. تذكرين كيف ألصقناها هناك؟ تناوبنا على التسلق إلى الأعلى. يثبِّت أحدنا الصورة فيما الآخر في الأسفل يمسك «السيبة».

صورة أولى: بدويَّة

أنا وأنتِ في المقهى الجبلي. تقترب منك البدوية، تستفيض في النظر إلى كفكِ، ثمّ تقــول كلاماً كبيراً لا أفقه منه شيئاً. تستمتعين بما تسمعينه منها. لا أفهم ما يحدث أمامي، وأرتكب أسئلة لا يجب عليَّ طرحها. تسألينها أن تنظر إلى كفي. أعارض في البدء، وتحت إصرارك، ونظرتك العنيدة، أحس بالذنب، وأسلّم نفسي لتفاهة اللحظة. تنظر العجوز إلى كفي. تتمتم بكلام قليل غير مسموع، وتؤثر أن تستأذن من دون أن تأخذ «أجرة كفّي». هل كان كفي يخيف إلى الحد الذي يدفع العرَّافة ـ بكل ما يصدر منها من أصواتِ اكسسوارات ـ للانسحاب؟ فكرتُ عندها وفي سؤالي تسليم ضمني بِلا تفاهة.. التفاهة!

استطراد: شعركِ

شعركِ يزعجني. أربطيه أو أديريه للجهة الأخرى، من فضلِك. شكراً.

صورة ثانية: نيسكافيه

أُنظـُرْ مثلاً لهذه الصورة؛ تلك الملصقة في الطرف الأيمن. كنا نركض على الكورنيش. نتسابق وفي أفعالنا شيء من ولدنة نحاول استعادتها فلا نـُوَفَّق. هل تذكر؟ أنا لا أنسى تلك اللحظات: ضحك هستيري، عرق مقرف ملتصق بالثياب، وكوب من القهوة الرديئة الساخنة بعد جري يستحيل كل مرة مناكفاتٍ ولعبة ركض بلهاء. أنظر كيف بقّعت النيسكافيه تي ـ شيرتك المبقَّعة أصلاً بالعرق.

هنا، هنا.

صورة ثالثة: بالتقسيط

نتأمل بصمت. أنظر إلى صورة، وتنظر أنتَ إلى أخرى. أستدير ناحيتك. أنتَ فوق، لا بجانبي. أعود لذكرى شبه مفقودة معلّقة في الأعلى. ما عدنا نتكلم كما قبل. ما عدنا نـُغضـِب بعضنا عن قصد. شَغَلَنا الزحام. أوقف الضجيجُ الكثير. بات كل شيء مدروساً. تعبنا من المشاريع الصغيرة. بتنا قبالة الكبير المخيف: قرارات مصيرية لا تحمل عفوية اللحظات المصوّرة فوقنا. غداً نبدأ بتقسيط مشاريعنا. تصبح حياتنا مجزّأة عند بداية كل شهر، أيامنا فعل واجب، وضحكاتنا الهستيرية اجتماعيةً محسوبةً.

استطراد: راديو وقهوة

الميلودي الأولى انقلبت كوبليهاً مليئاً بالكليشيه والصور المنمَّطة والاستعادات السقيمة. رائحة القهوة القديمة ما عادت تحضرني. باتت القهوة وسيلة لبداية نهار عمل مرهـِق. أنا متعَب.

سؤال: أبيض

أنتِ، هل فرغتِ من الأفكار أو بعد؟ ألا تخافين تلك اللحظة؟ يوم يصبح كل شيء أبيض؟ تحاولين أن تبدأي بفعل شيء فلا تـُوفـَّقين. تنظرين إلى أرشيفك فتشعرين بأنّ من حققت ذلك بعيدةٌ عنكِ كل البعد. أنا أصدقكِ القول: أخاف تلك اللحظة؛ يوم استنزف قدراتي؛ يوم أشعر باللحظة طرحاً من ما تبقى من حياتي لا إضافةً لما سبق، يوم أفتح برنامج «الوورد» وأمكث أياماً أنظر لصفحة بيضاء.

استطراد: أرق

اليوم شاهدت فيلم (500) days of Summer، وتماثلت مع شخصية الفتى الذي لا يفهم، ولا يود أن يستوعب ما حدث، وتبشِّرنا نهاية الفيلم بورطتِه القادمة. الأمر خطير ويحتاج لتدارك. هكذا أظن أنا الآن. لكن ماذا لو تساعدنا للخلاص من المأزق؟ هل ننجح معاً أم نفشل بامتياز سوياً؟

لحظة. هل أتعـِبكِ بأسئلتي هذه؟

بساط الصوَر

«السيبة» تـُعاد إلى موقعها السابق، تحت قصصنا المصوَّرة. «أمسكيها جيداً»، أقول. سنُدخِل السقف حياتـَنا الاجتماعية القادمة، التي علينا حسابها بدقة. آن وقت تحويله أبيضَ كسائر أسقف بيوت العائلات الكلاسيكية.

أحاول نزع صورة اللقاء الأول فلا أنجح، صورة السهرة الاجتماعية الشهيرة فلا أستطيع، صورة الشارع الضاج بالألوان فيأبي أن يبهت بين يديّ. ما الأمر؟ هل كان عنادنا في إلصاق تلك الصور ماضياً يفوق رغبتنا بنزعها الآن؟

لا ننزع صورة واحدة من محاولة أولى. نجرِّب أكثر من مرة حتى ننجح، وخلال ذلك أصمت. أصمت كثيراً، ثم أبتسم، وتستعيدين أنتِ شفاهاً تفقدينها عادةً أيام الشتاء. نضحك ونعاود الاستلقاء على السرير. ما عاد شعركِ يزعجني. حتى أني لستُ منتبهاً الآن إلى الخصلة التي لامست وجنتي. ننشغل بالنظر إلى الأعلى؛ حيث يستقر ما تبقى من نبيذ الصور العتيق.

هناك، فوق سيبة غير متوازنة، يتكلم كلانا بصمت.

نُشِرَ في شباب السفير في 17 آذار 2010

2010 03 07