يومٌ لا تتخلى فيه عن البيجاما
نُشر في October 29, 2008
إنّ أرنباً أبيض يخرج من قبعة الساحر. ولأنه أرنب ضخم، فإنَّ جلسة السحر هذه، ستحتاج إلى مليارات السنين. وكل أطفال البشر يولدون على طرف الشعرات الدقيقة في فروته، مما يجعلهم يدهشون، مباشرةً، من جلسة الشعوذة المستحيلة. ولكنهم يكبرون ويغرقون أكثر في فروة الأرنب. حيث يمكثون، ويشعرون بالراحة بحيث لا يعودون أبداً إلى امتلاك شجاعة تسلق الشعرة.
جوستين غاردر في روايته “عالم صوفي”
يحدث أحياناً أن تنهض في الصباح كَسِلاً، أو مريضاً وتبقى لربع ساعة (أقل أو أكثر قليلاً) في سريرك. تنظر إلى السقف أو إلى فوضى الغرفة، أو تلحظ الغبار الذي التصق باللمبة وشريطها المدلّى من السقف. تفكّر بأنك ستمسح هذا الغبار اليوم، ولا تفعل.
وتنهض بعد الوقت ذاك. تنظر خلال خروجك من الغرفة إلى الثياب المكدّسة فوق شنطة السفر (ستوضبها غداً، آمَل). تتركها وتنتقل إلى المطبخ.
تحضّر كوباً من قهوةٍ منزوعة الكافيين. تعود إلى كنبتك (المفضّلة؟ لا، لم تقرر بعد). تجلس تتفرّج على إعادات رتيبة لحلقات مسلسل رمضاني، أو “سيتكوم” حفظته غيباً. تضحك أكثر ممّا ضحكْتَ قبلاً، من دون أن تعرف السبب.
يحدث أن تبقى ببيجامتك، وتشعر بثقل رأسك وتتحول عيناك لطابتيْن ثقيلتيْن. (قررت: أنت في بداية مرضٍ، لا كسل). تحاول أن تقرأ لجوستين غاردر ولا تفلح في تخطي قسم “فروة الأرنب”. الطابتان تزدادان ثقلاً، والرأس يحاط بصوت يشبه أصوات السيارت الهادرة والمارة بالقرب من رجل لا يتحرك: فوووف. فوووف. (هذا، لا شك، رشح قاتل يستولي على مناعة جسمك).
تدع الكتاب، لتنتقل إلى بحث سريع على الانترنت: فتاوى. مسلسلات. سوزان تميم. قنابل. انهيار الأسهم. تفاهمات. مصالحات. حوار وطني.
تفكِّر: هل أنت منهمك داخل الفروة أم تتنقل على أطراف الشعرات البيضاء؟
يحدث في بعض الأيام أن تخرج إلى الشرفة بلباس بيجاما قطني الملمس، وتنظر إلى أشجار الصنوبر الخضراء دائماً (التي لم تلتهمها النيران في الصيف الذي ما زال يلفظ أنفاساً أخيرة). تشعر فعلاً بلمسة الهواء الباردة وأنت تلمح الغيوم السوداء المقبلة من فوق البحر باتجاه بيروت عشوائية البناء. تقول: اقترب مطر الخريف (أم هذه غيوم مازوت عاظـَمَتْ من أشكال غيوم البحر؟). تضيف متيقناً: ستنتظر الغيوم إلى الغد. هكذا تبوح أشكالها. تشعر بمسام جلدك الناتئة من ريح بدت لكَ باردة، وتسمع أحداً من التلفاز المضاء في الغرفة الجانبية، يتكلم، ويتكلم، ويتكلم…
تدخل وتغلق الباب وراءك. تقف أمام التلفاز. تتنقل بين القنوات التلفزيونية. تنتقي قناةً للطرب، لتجد أم كلثوم تغني عن ربع ساعةٍ أخير في علاقة عاطفية ما، على الأرجح لم تحدث إلا في خيال كاتبها.
ولا يرنُّ خلويُّك.
نُشِرَ في شباب السفير في 29 تشرين الاول 2008