انتقاء الأثر

نُشر في January 30, 2013

Share Button

يعتقل أحدهم أو يُقتَل، فتتبدّل الصورة. يزداد القتل، فتتسارع وتيرة تغيير الصوَر. تبقى، ولا تبقى. نقرة على المؤشريْن إلى يمين الشاشة ويسارها، تفضي إلى صوَر لمعتقلين سابقين، وإلى موتى قدامى. هل هم سابقون وقدامى فعلاً؟

هذه صوَرهم استلّها متتبع على عجل من بروفايلاتهم الشخصية، بلا تحضير مسبق، ووضعها كصوَر له تحت اسمه في اقتفاءِ أثرٍ متعب، وكثيراً ما يتلازم والانقطاع، كأن يهرب المتتبع مثلاً إلى صوَر الأفلام، ثم يعود إلى السواد الكامل، ثم صورة مموّهة له، ثمّ صورة أوضح، ثم صورة له في حفل، فعودة إلى صورة آخر ممهورة بشريط أسود.

تمر الصوَر أمام نظر المتصفِّح. يقلّب فيها. يبدو الزمن عداءً. لكأنه ركض فجأة. أو صار أطول. فالموت الكثير يوحي بكثرة الأحداث. يُشعر بالقفز فوق حواجز كثيرة.

هم الآخرون. وهو يصير مقتنعاً أنهم هو. هو المتتبع المتعَب وهم المختفون عائدون مقتنَصون في لحظة ثابتة، وهذا كثير وعصيّ أحياناً على الاحتمال. هو يجهد أن لا يفقد، في زمن سمته الفقدان. ويسعى أن يبقى متصلاً. أن يحافظ على حكاية لا يعرف مضمونها. ولا يعرف لماذا يفعل ذلك. يتخيّل الحكاية، يكتبها، حتى تأتي لحظة يسأل فيها من أمام الشاشة، ومن خلفها؟ هو أم الميت؟ هو أم المعتقل؟ وهذه الشاشة، ما هي؟ مرآة لشخص في عالم واحد، أم جدار يفصل بين عالمين؟

وقد يصير التتبع ماينستريماً، فرض عين، إعادة مثقلة بالمسؤولية المعروفة. فكثيرون يكرّرون الكلام ذاته، يفقِدون التتبع الشخصنة التي يستحق. ينزعون منه لوثة الانتقاء. فتتوحد الحكاية. تصبح، حتى في اختلاف مضامينها، واحدة. إنها تفتقر للاكتشاف، والإبداع. إنها متوقعة. وهذا سبب أدعى للامبالاة، حتى يمرّ حدث طازج آخر ويرمي اللامبالين في الدوامة من جديد.

وفي كل مرة، تخفت القشعريرة أكثر فأكثر. في كلّ مرة، تعظم الحاجة لحدث أكثر سوءاً من سابقه. ليست قدرة احتمال المتتبع التي تعظم. على العكس، هي قدرته على فقدان الاهتمام. هي قدرته على الانتقاء، ورغبته في منع الانهيار. محاولته للإبقاء على نفسه سوياً. وهذه قمّة المبالاة، وإن حرص القتل دوماً على الاحتماء بها.

نًشِرً في جريدة المدن الإلكترونية

Comments