مكافأة شوارتز الخاصة
نُشر في January 15, 2013
كان آرون شوارتز مثالًا لناشط الإنترنت المنتِج. سعى في كل مساهماته، بدءاً من نظام “آر. إس. إس”، إلى تنظيم فوضى الويب العظيمة، باتجاه الويب الدلالي، أو الويب ذي المعنى. إنه حلم الويب الذي تفهمه الآلات أكثر، فتستوعب دلالات البيانات التي يحتضنها، وتفرّق بين المعلومات المتشابهة بكل ما يستتبعه ذلك من استحقاقات التغلب على ضخامة المعلومات، وغموضها، وتناقضها، وخداعها.
يظهر هذا أيضاً باكراً في ورقة كتبها مع صديق في عمر الخامسة عشر، شارحاً فيها الويب ومشدداً على أهمية تكملته للوصول إلى الويب الدلالي: “أفضل ما في الويب أنه مجموعة من الأشياء الكثيرة يختلف في رؤيتها أناس كثيرون مختلفون”. ثم نلمح في الورقة ذاتها أكثر من استشهاد لكتابات تيم بيرنرز لي مبتكر الويب، والمعروف بكونه أكثر المتحمسين لجعل الويب ذا معنى أو دلالياً.
استثمر شوارتز في رحلته القصيرة وقته وجهده في إثبات الثقة بالويب، وإتاحة المعرفة مجاناً للمستخدمين، وتحفيزهم بالمشاركة عبر مشاريعه وخدماته. في الورقة نفسها عن الويب الدلالي يكتب: “يمكن للجميع تقريباً العثور على سبب لدعم هذه الرؤية العظيمة للويب الدلالي. بالتأكيد، هي طريق طويلة، وليس من ضمانة أننا سنحقق ذلك، لكننا حققنا قدراً كبيراً من التقدم حتى الآن. الاحتمالات لا حصر لها. حتى لو لم نحقق أياً منها. ستكون الرحلة هذه مكافئة هذه الاحتمالات الخاصة”.
لكن الشاب الذي حقق إنجازات مذهلة قبل بلوغه السابعة والعشرين، انتهى مكتئباً في خضم محاكمة قضائية أعادت إلى الواجهة من جديد قضايا المعرفة المفتوحة، ونظام التعليم، وتلازم أو تناقض العدالتين السايبيرية (الالكترونية) والواقعية.
قبل أكثر من شهر، كتب شوارتز عن اكتئابه مخاطباً نفسه: “بالتأكيد مررتَ بأوقات كنتَ فيها حزيناً. ربما تخلى عنك أحد أفراد أسرتك، أو انحرفت خطة بفظاعة عن مسارها. يسقط وجهك. قد تبكي. تشعر أن لا قيمة لك. وتتساءل فيما لو كان الأمر يستحق عناء المواصلة. كل شيء تفكر به يبدو قاتماً: الأشياء التي قمت بها، والأشياء التي تأمل القيام بها، والناس من حولك (..) تخرج الى الشارع لتحصل على بعض الهواء النقي أو لتعانق حبيبتك، ولن تشعر أنك أفضل. ستشعر بالضيق لعدم تمكنك من الإحساس بالفرح الذي يبدو أن الآخرين يشعرون به. كل شيء سيتلوّن بالحزن”.
في 11 كانون الثاني (يناير) 2013، وُجد شوارتز منتحراً شنقاً في شقته. أنهى رحلته سريعاً وبنفسه. كانت رحلته القصيرة مبنيّة على الثقة المطلقة (ذاك المطلَق الجميل) باحتمالات النجاح، فكافأه النظام على نحو آخر حامياً نفسه من اختراق قد يصدّعه، ويترك فيه ندبة. بيد أن هذه المكافأة المضادة لا تعني أن المحاولة ستبقى يتيمة، وأنّ خطةً أخرى لن تحرف مسار النظام، لجعله أكثر… دلالية.
على الأرجح، لن يمر زمن طويل قبل أن تفقد مكافأة شوارتز الخاصة خصوصيتها.
نَشِرَ في جريدة المدن الالكترونية