صورتان .. أو أكثر

نُشر في February 7, 2013

Share Button

basma-belaid2-225x300الصورة* فاتنة. فيها ألوان صاعقة، وضجيج خلفي، وذهول واقفين، ولا مبالاة عابرين. في الصورة أكثر.

الناظر غير المتابع للأخبار سيرى أولًا امرأة بشعر رمادي، ومعطف زهري، وشالاً وكنزة خضراء وبنطالاً أسود. امرأة ترفع شارة النصر. ستلفته أكثر ما تلفته الألوان. وعندما يعرف الخبر وراءها، سيقول إنه العزاء الملوّن.

وسيرى الناظر، فيما لو واصل التحديق، مصوّرة في الخلف تركّز في التقاط صورة، ومواطناً مذهولاً يحمل ورقة مموّهة، وآخر يتابع طريقه أو يقف متحدثاً مع آخرين معطياً ظهره للصورة.

في الصورة صورة أخرى لم تُرَ، التقطتها المصوّرة الواقفة في الخلف. فيها سيبدو ظهر بسمة الخلفاوي فقط وهي تواصل مشيها. ترحل تماماً كالرجل الذي يبتعد عنها في الصورة الأصلية، أو تبتعد عنه. في الصورة هذه لا وجه، ولا عينين متورمتين، ولا حزن بادياً في النصف السفلي من الوجه. فقط، ثمة جسد يرحل في ثياب ملونة وقبضة يسرى مرميّة، ويد يمنى مرفوعة بشارة نصر ضرورية.

يمكن الإعمال أكثر في تخيل الصورة الأخرى. يمكن رؤية مواطنين على الجهتين يتابعون الأرملة بنظراتهم، وآخرين غير مكترثين. وقد تكون بسمة تقترب من تقاطع مروري، وقد تستمر الأشجار حولها مزروعة كما في الصورة الأولى أو تختفي لصالح مبانٍ أو اتساع أو ضيق الشارع.

كأن الصورة، رغم تورم العينين، التقطت في لحظة الخراب الأولى، قبل الإعمال في جهد الطلل، قبل الاقتناع بالفقدان. والعجلة التي التقطت فيها تضيف إلى هذه النظرية. فالحركة في الصورة لم تثبت كما يجب. يد المواطن تتحرك لتموّه هوية الورقة، فلا يُعرف مضمونها، ليجد الناظر نفسه أمام صورة متحركة.

لكأنها صورتان. أو لعلّها أكثر؟

هل يمكن إلحاق تعبير وجه بسمة، بابتسامة خالد سعيد المحافظة، وتحديقة مينا دانيال السماوية، ونظرة لم نرها للبوعزيزي في المستشفى، والابتسامة المتسعة للشيح عفّت؟ فيما لو أمكن هذا، لصارت الصورة، حينها، صورة الحزن الملوّن الصامت الذي بدأ يعبر من صوَر الموتى إلى صوَر الأحياء. ولحظتها، سيجد الناظر نفسه أمام مرآة صارت تصل عالماً بآخر.

* الصورة التي انتشرت بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر بسمة الخلفاوي، زوجة المعارض السياسي التونسي شكري بلعيد الذي اغتيل صباح الأربعاء 6 شباط (فبراير) أمام منزله، وهي تشارك في مسيرة منددة بعملية اغتياله، رافعة شارة النصر.

نُشِرَ في جريدة المدن الإلكترونية