باسم يوسف: أزمة الوسيط

نُشر في March 17, 2013

Share Button

Bassem-yousef_05165416تطرح حلقات الموسم الثاني من برنامج باسم يوسف (البرنامج؟) مجددًا مسألة الفارق بين المعروض على الشاشة الصغيرة وما يُرفَع على الويب.

فالبرنامج الذي بدأ كـ”فيديوهات” على “يوتيوب” في عزّ الثورة المصرية سرعان ما تحوّل إلى الشاشة الصغيرة في موسم أول على قناة “أو تي في” وموسم ثانٍ على قناة “سي بي سي”. وإذْ توالت حلقاته حتى بات برنامجًا مكرسًا يفرض شروطه، أخذ يدفع مساحته اللفظية شيئًا فشيئًا، مارّاً على شتائم يومية يستخدمها المصريون. إلا أنه سرعان ما اصطدم بانتقادات جمهور محافظ (من دون أن يكون سلفيًا أو إخوانيًا بالضرورة)، ما دفعه إلى وضع تلك اللوحة التنبيهية في بداية كل حلقة التي تعلمنا أن الحلقة للكبار فقط، وكان قد سبق ذلك في الموسم الأول لوحة تنبيهية ابتدائية أخرى تشرح أنه برنامج… ساخر.

وحده الجمهور في استديو التصوير يستطيع سماع الشتائم التي يليها انفجار الضحك والتصفيق. حتى قناة يوتيوب (التي بدأ البرنامج منها) تعرض الحلقات المسجلة نفسها التي تبثها القناة، بلا شتائم، ما يعني أن البرنامج صار ينتج أساساً للتلفزيون لا للويب، بعكس بدايته. وفي ما عدا الحلقة الثانية من البرنامج الذي امتنعت قناة “سي بي سي” عن عرضها واقتصر عرضها تالياً على القناة الخاصة على يوتيوب، وأتت رافعة فعلية للموسم الثاني، لم يعد الويب مساحة أولى لعرض المضمون.

لا يقتصر هذا الانقلاب على الصفارة والمساحة السوداء التي تظهر على فم باسم يوسف كلما شتم، بل يتعداه إلى استضافة فناني “الأندرغراوند” المصريين في كل حلقة. وإذا قلنا إن استضافات كهذه محمودة، لا سيما التجارب الفنية التي لطالما غابت عن الشاشة وانحصر وجودها إما على الويب أو في مهرجانات وأماكن خاصة، تأتي الحلقة التي استضاف فيها البرنامج فرقة “لايك جيلي” مثالاً واضحاً على إمكانية أن تكون النيات الحسنة فاتحة لتشذيب العمل الفني، وللرقابة الضمنية للوسيط (التلفزيون).

فالمتابع لإنتاج “لايك جيلي” على الويب لاحظ أن ما قدمته الفرقة في الحلقة المذكورة أتى مضبوطًا على نحو كبير. هكذا، فرض الظهور التلفزيوني على الفرقة “تنظيف” أغنية الدودة، وعدم التطرق إلى المقطع الخليجي في شارع جامعة الدول العربية، إضافة إلى الإكتفاء بغناء النصف الأول من أغنية “يا نور الشمس”، التي تحتوي في قسمها الثاني مقطعاً عن العادة السرية.

غنيّ عن القول أن برنامج يوسف يساعد في تشكيل الوعي العام متصديًا للهجمة الدينية المستعينة بالتحريم وتراث احترام الآباء. غنيّ عن القول أيضًا أنه يعد وثبة فعلية في ما اعتاد أن يتابعه مشاهد التلفزيون المصري (لا مشاهد الويب). المشاهدات الجماعية لحلقاته في المقاهي، والتي اقتصرت تاريخيًا على مباريات كرة القدم وأفلام الكونغ فو وبعض المسلسلات الناجحة، دليل على هذه القفزة. إلا أن هذا لا يمنع التوجّس من أن نشهد مع البرنامج رحلة التحول المحزن لأي برنامج ويب مستقل إلى برنامج تلفزيوني خالص. وإذا كان البرنامج قد حافظ حتى الآن على استقلالية ما، وجرأة لافتة في التطرق إلى بعض التفاصيل، محتميًا بالحصة المهولة من الإعلانات التي يجذبها وتبعده من الخط التحريري للقناة وتوجهها السياسي، إلا أنه ما زال يصطدم بما يتعارف عليه كلاميًا باللائق تلفزيونيًا، وبجمهور العائلات المفترض عربياً، والذي لا ينفع معه أي تنويه مسبق بفئة عمرية أو توقيت عرض.

ولعلّ المسألة أوسع من مسألة جمهور عربي. لعلّها أزمة الوسيط الذي يعرَض فيه البرنامج: التلفزيون. وحده الوقت قد يحدد إذا ما كان “البرنامج؟” سيخترق الجدار، أو سيدفعه “اللائق تلفزيونيًا” إلى تغيير هويته شيئًا فشيئًا من دون أن يشعر معدّوه.

إنها القصة المعهودة لسطوة الشاشة الصغيرة التي تستوعب المضامين المرشحة للنجاح الإعلاني، ثم تشذّبها، وقد لا تجد غضاضة في لفظها ما إن يستعصي عليها التشذيب (مثال الحلقة الثانية؟)، أو عندما لا تعود جاذبة إعلانيًا.

الجيّد أنه، في خضم تجربة “البرنامج؟” على الشاشة الصغيرة، ستستمر تجارب أخرى على الويب بالظهور، طارحةً سقفاً أعلى وأقل محافظة حتى من فيديوهات باسم يوسف القديمة على يوتيوب، وإن كانت تعوزها قليلاً حرفية التنفيذ.

نُشِرَ في جريدة المدن الإلكترونية.