رجعيّة أخرى

نُشر في April 3, 2013

Share Button

فتاة تمشي في مكان عام. فجأة، يظهر لها رجل، ويمسك بها محاولًا اغتصابها.

– ربنا يخليلك أختك!

– ما عنديش إخوات بنات.

يجيب المتحرش دافعاً إياها نحو العشب محاولاً اغتصابها، لكنّ الفتاة تتملص منه باستخدام البخاخ وتنجح في الهروب.

بعد زمن غير محدد، وفي مشهد تالٍ، يظهر الفتى نفسه مصاباً في المستشفى. من ثم تظهر الفتاة نفسها ممرضةً لتضمّد جرحه. تفاجأ به. يفاجأ بها. ابتسامة ماكرة على وجه الفتاة. خوف وتوجس بادٍ على وجه الفتى.

إلى يمين الشاشة يظهر ممثل غاضب، يقول: “خفت؟ خفت يا عنتر؟ أكيد لأنك جبان! طلعت أجدع منك! المرة الجاية هيي اللي ح تركضك. فهمت؟ فهمت يا عنتر؟”

تعليق صوتي مصحوب بكتابة على الشاشة: “مصر ما حدش يتحرّش بيها… معاً لمكافحة أفعال لا إنسانية”.

***

ما سبق هو المضمون الكامل لفيديو “مصر محدش يتحرش بيها”، للممثل خالد النبوي، منتج ومنفذ العمل، والذي يسعى إلى تسليط الضوء على مشكلة التحرش بالفتيات في مصر. لكن المبادرة الحسنة تأتي في غير موقعها على الإطلاق.

فالفيديو يستخدم مقاربة غير نديّة في الخطاب بين المتحرِّش بها والمتحرَّش (ربنا يخليلك أختك)، ويكرّس لاحقاً في تعليق الممثل/ المنتج (عنتر، جبان، أجدع منك). إنه يدعي الوقوف في صالح قضية، فيما هو آتٍ من صلب الخطاب الذكوري، تماماً كتزنير الذكور لتظاهرة نسائية من أجل حمايتها من “الأشرار”، بدلًا من الاندماج فيها. إنه ينظر إلى المرأة بصفتها قاصراً لا نداً، وهذا القصور في الرؤية هو تماماً البيئة الخلفية الحاضنة لظاهرة التحرش.

هذا ليس كل ما في الإعلان. الفيديو بائس. بائس في إبداعه. وبؤسه تصاعدي، بدءاً من التعابير على وجه المتحرِّش والمتحرَّش بها، في استعادة طفولية لخط من خطوط “ليلى والذئب”، مروراً بـ”الصدفة” التي تجمع المتحرِّش بالضحية في انقلاب قِوى مباشر، وصولاً إلى ظهور النجم ليلقي على المُشاهد الخلاصة – العظة، مستخدماً مفردات شعبوية تحاول إستفزاز المتحرِّش فيما هي تنظر بفوقية عضليّة إلى المرأة الضحية، وانتهاء بالإسقاط المباشر والترميز البشع الذي فات أوانه في الجملة الأخيرة إذ يصل شخصية المرأة المتحرَّش بها بـ… مصر!

لا تنحصر المسألة في ظهور النجم – المنتج، والفوقي تماماً، شأنه شأن الخطاب الموارب المستوعب لانعدام الندّية بين الجنسين. بل إن الإعلان يعيد إلى الأذهان إعلانات إسلامية منعدمة الإبداع انتشرت خلال السنوات الأخيرة وتحوي المقاربة نفسها، ولو لأهداف تبدو للوهلة الأولى مغايرة. كلا النوعين يصب في اتجاه دعم استقبال شعبوي واحد عن المرأة عند المتلقي.

فالفيديو يدعي الرغبة في مكافحة أعمال لا إنسانية، لكنه ينتهي في منطقة إراحة الضمير، في موقف يظنه صاحبه أخلاقياً، في حين أنه أقرب إلى أن يكون رافعة للمشكلة الأساسية المتمظهرة في عبارة من نوع “إيه اللي وداها هناك” (وتقال عن الفتيات المشاركات في التظاهرات ويتعرضن للتحرش، بمعنى أن خيارهن بالتواجد في الشارع هو ما جلب عليهن هذا الوبال، كما لو أنه ليس على المتحرِّش ملامة).

باختصار، النيات الحسنة لا تكفي. وحتى لو كان الفيديو قد نجح في استقطاب عدد كبير من المشاهدات على “يوتيوب”، فإنه ما زال يمثّل رجعية أخرى.

نٌشِرَ في جريدة المدن الإلكترونية.