أدب سلمى الفاضح

نُشر في February 2, 2013

Share Button

أحداث ماسبيرو مثال أول. نزع خيام المعتصمين أكثر من مرة في الميدان، المحاكمات العسكرية، وكشوف العذرية، أمثلة أخرى.

لكأن هذه المراحل وجدَت غير رئيسية. فهي لا تناسب الأمزجة الشعبية والسياسية والاجتماعية، ولا تليق بصورة نظيفة يراد تصديرها عن الثورة. وهي إن نوقشت، دائمًا ما ترُمَى على كتف البلطجي، “ليكس لوثر” الثورة المصرية.

لكن الثورة بدأت خارج “الماينستريم” أصلًا. القنوات الفضائية الرئيسية لحظَتْها بعد يومين على اندلاعها. فيديوهات حوادث الصدم بسيارات الأمن للمتظاهرين ظهرت على الشاشات بعد يوتيوب بأيام. كان ذلك قبل زمن عدم التدقيق المنفلت اللاهث وراء فيديوهات الويب.

مذ ذّاك، بل قبل، ثبّت الناشطون تقليد الشهادات المكتوبة على “فايسبوك”. ردم هذا الفجوات بين إعلام رسمي يغض النظر وإعلام خاص ينتقي الحدث، وسياسيين عجائز يلحقون بشباب الميادين بضوابط سياسية كثيرة.

ليس تقليد الكتابات هذا وليد الثورة. في عصر المدونات الذي سبقها، والذي ازدهر مصريًا في عام 2005، تكررت حملة اليوم السنوي الواحد الذي تكتب فيه المدوّنة الفتاة عن نفسها (حملة “كلنا ليلى”). بيد أنّ المذهل في شهادات “فايسبوك” الجديدة هو لحظيّتها وارتباطها بالأحداث العامة. فالقارئ يرى الفتاة تتحرّك. يعرف عن العنف الذي لحق بها، عن صعوبتها في بدء يومها، عن حصارها بين آخرين، ودفاعها عن جسدها. يقرأها تصف العنف حولها، قبل عودتها سالمةً لكتابة هذه الشهادة، الآن، هنا.

آخر هذه الشهادات شهادات التحرّش والاغتصابات النسائية في ميدان التحرير. وهي شهادات مذهلة بغضبها، وبقدرتها على التصريح بلا تورية في أكثر المواضيع حساسية لمجتمعات عربية “متديّنة بطبعها” اعتادت لوم الضحايا.

هي كتابات تأتي من الجنس الذي يحاول أن يصنع معركته الخاصة في ظل قوننة مصرية دستورية تعامله كطرف أدنى يحتاج الدعم المالي والنفسي، محتميةً بشبيهات أم أيمن: الزوجة المتدينة الصالحة التي تسعى إلى تأمين حقوق امرأة الرجل، بالقانون.

تكتب سلمى شامل، إحدى الناشطات في مجموعة “لا للتحرش”، عن حادثة التحرش التي قاربت الاغتصاب التي تعرضت لها في ميدان التحرير. ذهبَتْ على اثر نداء استغاثة فعلقت. تكتب سلمى عن أدق تفاصيل الحادثة، عن الأيادي التي امتدت إليها، عن التقزز، عن الشذوذ الاجتماعي الجماعي في الشارع تحرشًا واغتصابًا ولا مبالاة محيطة.

تأتي شهادة سلمى وأخواتها متفلّتة من أي تحرير لغوي أو مضموني، لتكرّس أدب فضيحة يفضح، أول ما يفضح، حالة النكران الرجعية التي تجد التحرش الفردي والجماعي فعًلا مدسوسًا من السلطة.

في تظاهرات 25 يناير المنصرم، رفعت صوَر لسعاد حسني وأم كلثوم، ورائدات أخريات، فيما بدا أشبه بهجمة ارتدادية على محاولات الإخضاع العنفية والقوننات الناعمة. لا معركة واحدة هنا إذًا. وإذا كان من معركة سياسية وحيدة في رأي كثيرين، فأصوات شاهدة كثيرة ستعلو عليها، لتصدم ثقافة الأولويات، وتهشّم فكرة نقاوة الثورة الآتية من مجتمع أفلاطوني متمنى، وتطيح بمنطق “عباية بكباسين”.

إنه انكشاف الشذوذ الاجتماعي. الخاصّ المعتّم عليه وقد بان عامًا. الغطاء وقد رفع.

– للإطلاع على شهادة سلمى: http://on.fb.me/WAQSxD 

– للإطلاع على شهادات أخرى مجمّعة: http://nwrcegypt.org/?p=8140

 نُشِرً في جريدة المدن الإلكترونية