زياد و”مشروع ليلى”
نُشر في April 20, 2013
خلال أسابيع قليلة، حلّ كل من زياد رحباني وفرقة “مشروع ليلى” ضيفين على برنامج “البرنامج؟” لباسم يوسف، في حلقتين مختلفتين. كان الأول بين الحضور، واحتلت الفرقة المسرح في الثلث الموسيقي الأخير والمعتاد(1)، لتقدم أغاني قديمة وجديدة.
خط تماس متخيّل
المشهدان المنفصلان والمتباعدان زمنيًا، يمكن وصلهما بحركة مونتاج بسيطة: قص، قص، لصق، شاهد. زياد مشاهِدًا غير فاعل وسط الجمهور، وأعضاء “مشروع ليلى” مؤدين على المسرح. هذا الإغراق في التخييل لا يمنع الاعتراف بأن التقطيع هذا قد لا يعكس حقيقة الوضع، بدليل ظهور الرحباني في برامج حوارية ومنوعات في الآونة الأخيرة. التماس الحقيقي بين الطرفين كان قبل ذلك بأسابيع، عندما سئل زياد عما إذا كان يتابع فرقاً مثل “مشروع ليلى” في مقابلة مع الصحافي المصري سيد تركي في “المصري اليوم”(2). أجاب الرحباني: “نعم، لكن لا جواب”. وعندما سأله تركي: “لماذا لا جواب؟”، ردّ الرحباني: “لأن دي ناس ما بتعرف تتكلم عربي بالأساس”. استتبع ذلك الجواب سؤالًا من الصحافي عن الموسيقى بعيدًا من “عربية” الفرقة. أجاب الرحباني: “هذا تراجع بالموسيقى إلى الرقم صفر، مع أشخاص “ثقافتهم استشراقية”، مرة مهرجان بعلبك ارتكب هفوة ودعاهم مع موسيقيين زي جايسى نورمان وأوركسترا برلين، وكانت ردود فعل الجمهور كارثية”.
لا يعرف القارئ مصدر معلومات الرحباني عن فشل حفلة الفريق في بعلبك (لعله المصدر نفسه الذي أسرّ للرحباني بأنّ “المعارضة السورية” كانت تسعى إلى منع حفله في القاهرة، رغم أنّ أي حاضر قليلًا أونلاين يعرف أن السعي إلى تظاهرة وليس إلى منع، كان من قبل ناشطين مصريين سرعان ما تراجعوا عن دعوتهم بعد إعادة تقييم جدواها). لكن رأي الرحباني يتوسّع ليشبّه أعمال زيد حمدان بـ”كتابة الكومبيوتر بتاعة الشباب، كتابة الفرانكو آراب” (في المقابلة نفسها، “المصري اليوم”)، بل ولا يفهم التعب لإنتاج “هيب هوب”: “الفرق اللبنانية شو بدها بالراب، ببلادنا إيقاعات كثيرة” (المقابلة الأخيرة في برنامج “بعدنا مع رابعة”- تلفزيون الجديد)، ويتسع صدره أكثر لإنتاج تانيا صالح وعصام الحاج علي (إضافة إلى عمله مع تانيا، يعمل عصام أيضاً مع ريما خشيش).
ولدى إصرار الصحافي في السؤال: “هذا بالنسبة للكتابة، أتحدث عن الموسيقى؟”، لا يجد الرحباني حرجًا في القول بأن القصة نفسها في الكتابة والموسيقى، بل إنه يطلق أحكامًا من نوع: “هم ما بيعرفوا شىء عن الحرب الأهلية اللبنانية، ولا عاوزين يعرفوا، ولازم تعرف تاريخ بلدك، وهؤلاء عندهم شعور دائم بأنهم أوروبيون، وأنهم أرقى من اللبنانيين، والهمج اللى هم حزب الله، والمسلمين (حسب وجهة نظرهم )”.
وبالعودة إلى خط التماس بين الرحباني و”مشروع ليلى” (وفرق أخرى)، فيمكن حصره في الانتقادات التالية: الثقافة الاستشراقية، الجهل بالتاريخ والشعور بالترقي الاجتماعي، اللغة العربية المنعدمة، ومستوى الانتاج الموسيقي الصفري. يضاف أيضًا “الجو” الذي تأتي منه هذه الفرق أو تنشط فيه مع مستمعيها: “العالم الافتراضي”.
عالم افتراضي، عالم واقعي
في مقابلة “المصري اليوم”، ظهرت إشارات مموهة للرحباني في نقد كتابة اللفظ العربي بالحرف اللاتيني(!)، واتضحت أكثر في لقاء آخر له في الجامعة الأميركية في بيروت. كان الرحباني قد عرّج في لقاء “الأميركية”، بمقاربة محافِظة ومغرقة في البدائية للعالم الافتراضي، بوصفه عالمًا منفصلًا عن الواقع وغير منتج. المقاربة نفسها تتبدى في مقالاته في جريدة “الأخبار”، وفي مقابلة أجراها معه غسان جدو على شاشة “الميادين”: من هؤلاء الذي يتكلمون؟ هل يعرف بعضهم بعضاً؟ ما هذه اللهوة التي اسمها الفايسبوك؟ لماذا يكتبون (جميعهم؟) بالحرف اللاتيني؟
هذه النظرة التقليدية المحافظة للنشاط الفايسبوكي مثلًا، لا اختصارًا، بوصفه نشاطًا غير منتج ومضيعة للوقت وبوقًا للشتائم فقط، تصل إلى حد وصفها “غير شرعية” عند تطرق الرحباني إلى منتحلي شخصيته أونلاين، مبشرًا بموقع رسمي يعمل على إطلاقه. لكن ما يفوت الرحباني هنا، أن الانتحال هذا يأتي من بعض جمهوره الداعم، لا من مناقشيه. وإذ يندمج الجمهوران في نظرة جمعية واحدة عنده، يظل أحدهما باحثًا عن أعذار لأفكار الرحباني المتشظية والمتعاكسة في أكثر من مقام، فيما يتراكم نزق البعض الآخر بسببه وصولًا إلى عدم الاهتمام بظهوراته أو النقد الشرس مع كل ظهور.
لا نعرف إن كان الرحباني يعرف أن النشاط الالكتروني هذا كان الرافعة لأعمال فنيّة (لا تختصر بالموسيقى وحدها)، من نوع لا يجد طريقه عبر وسائط استخدمها الرحباني (برامج السياسة والمنوعات التلفزيونية، والأسطوانات، والراديو)، وأن التواجد هذا يختصر الرد على منتقدي غياب الكاتالوغ التغييري وانعدام القيادة للحراكات الشعبية أو الحراك الثقافي المصاحب لحراك الشارع. لا نعرف أيضًا إن كان الرحباني قد سمع بالمشاع الإبداعي، أو عن حقيقة أن فريق “مشروع ليلى” طرح ألبومه الثاني كاملًا ومجانًا أونلاين، تاركًا لمن يرغب من مستمعيه دعمه وإنفاق المال لشرائه (أونلاين أيضًا، وفي المتاجر).
لا نعرف إن كان الرحباني يتابع هذا الحراك السيبيري في شأن سياسات الخصوصية والمصادر المفتوحة في الغرب والشرق، قبل أن يتحدث عن “انفصال” بين الافتراضي والواقعي. لكننا نعرف أن انتقاداته في هذا الخصوص (حتى الآن) تختصر في استخدام الحرف اللاتيني، هوية المعلقين المجهولة، الشتائم المتطايرة، شرعية المواقع الالكترونية وعدم شرعية الشبكات الاجتماعية ومضيعة الوقت. وفي ما عدا الحرف اللاتيني، يمكن ردّ كل ما ذُكر إلى جملة نطق بها في لقاء “الأميركية”: “ما بعرف قديش نافعتنا حرية الرأي”.
الثقافة الاستشراقية وفوبيا المثقفين
الثقافة الاستشراقية التي يرمي الرحباني بها “مشروع ليلى” وغيرها من الفرق، تستدعي مصطلح “موسيقى استشراقية”. في المقابلة نفسها في “المصري اليوم”، يشرح الرحباني تعريفه للمصطلح: أن “تحشر بالعافية” الآلات الشرقية على إيقاعات غربية، هذا اسمه “تلزيق” وليس موسيقى جديدة، والحمد لله فيه اختراع اسمه “دى جي” هو متخصص في هذا الخلط وهي ليست وظيفة الموسيقي”. وإذ يواجَه الرحباني بسؤاله عن مقطوعة لموتسارت ولّفها هو مُدخلًأ عليها طبلة شرقية، يردّ: “أيوه، لكن ما نزعناها من سياقها، المقطوعة أصلاً ممكن تتلعب شرقي، وماعملناش غير الألبوم دا، لكن الاستشراق في الموسيقي هو إنك تلزق حضارتين فى بعض”.
هذه الرغبة في تحديد التجاور الموسيقي دون الخلط ونقاء المحتوى، سرعان ما يُتراجع عنها لصالح الدقّة، والسياق المندمج غير المشوّش، ما إن يؤتى بمثال نفّذه الرحباني. هنا، قد تبدو مذهلة ملاحظة أن هذا الاتهام نفسه رُميت به تجربة زياد رحباني الموسيقية مع فيروز، من قبل مريدي تجربة الأخوين الرحباني الكلاسيكية. ألبوم “إلى عاصي” مثلًأ كان الذورة الثانية لهذا الهجوم، بعد الانطلاقة الأولى له في “معرفتي فيك”، ثم الذورة اللاحقة في “كيفك إنت”.
هذه المحافظة الفنية تتجاور مع اتهام عام يعلنه الرحباني ممظهرًا فوبيا للـ”مثقفين”، ومختصرًا النقاش في الحديث الكلاسيكي عن النخبة المثقفة التي تحتقر الناس العاديين، ضاربًا المثل، في إحدى مقالاته، بجلسة مع أشخاص سوريين شَعر خلالها أنهم مختلفون. والمسألة تتفاقم عنده من منطقة “الرأي الحر” إلى منطقة “الرأي الوطني” (على نسق الحرية الوطنية)، وإن تخففت هذه الاتهامات بالتفريق بين التجديد/التحديث والتخبيص والإشارة إلى تجارب محافظة على مستوى الكلام واللحن: أغاني تانيا صالح تحديدًا.
ومع اختلاف الانتاجات ومدى انتشارها ونجاحها و”ثقافيتها” ووصولها للمستمعين و”تكريسها”، تبدو مذهلة هذه السهولة عند الرحباني في إطلاق الأحكام السياسية العامة والقاطعة على تجارب موسيقية، وتقييدها ضمن هذه النظرة الضيقة، بل وسمها باتهامات من هذا النوع مع ما يستتبع ذلك من تصدير مقدس (وطنيًا) لعدم جدوى التجريب.
وربما كان من الأجدى أن يفتتح الرحباني النقاش فعليًا حول موسيقى “مشروع ليلى” وغيرها، شارحًا مسوّغات اتهامه لها بالمستوى الصفري، بدلًا من تصنيفه السهل لها تحت عنوان “الاستشراق”. ولعلّه من المثير طرح سؤال من نوع: أين الآلة الشرقية في مجموع الآلات التي يعزف عليه أعضاء فريق “مشروع ليلى”؟ الكيبورد؟ الكمان؟ الدرامز؟ الغيتار الكهربائي؟
ينقلنا هذا السؤال إلى نقاش مغاير عن الكلام العربي المرصوص فوق موسيقى تولّف ولا تجاور فقط، وربما تتبنى تمامًا خيار الموسيقى غير الشرقية، ما يذكر بتجارب الرحباني الخالصة في الجاز والبوسّانوفا، لكنّ العودة إلى شهادة سابقة للرحباني العام 2008، من نوع “أنور إبراهام يهودي” في معرض تطرقه إلى إنتاج ابراهام المنتشر، يجعل اتهام موسيقيين بالاستشراق منطقيًا، في مسيرة تراكم آراء الرحباني.
في الرأي والثقافة والشعور
هذا المنطق الرحباني الذي يتراكم، قد يصير نقده ترفًا فكريًا مع توالي أحكامه القاطعة الخاصة بالشكل والآراء المضمرة (التي لم تعلنها “مشروع ليلى” ولا زيد حمدان)، وصولًا إلى مقارعته الثقافة التي يأتي منها هؤلاء، والاتهام بترقيهم الاجتماعي، انتهاء بيقين عن شعور هؤلاء بأنهم أوروبيون. هنا، يتلاشى النقد الموسيقي كليًا حتى نكاد نعود إلى ليلة من ليالي الحرب الأهلية اللبنانية، حيث الصراع على أشدّه بين اليسار اللبناني ممثلًأ بالحركة الوطنية، واليمين اللبناني ممثلاً بالجبهة اللبنانية. وهذا التقسيم العمودي الذي لم يعد صالحًا حتى في سياسة هذه الأيام المحلية، يعود بشكل مذهل عند الرحباني في تقسيم الانتاجات الموسيقية، بناء على آراء لم نسمعها في العام من الأشخاص المتهمين، ويكاد بعضها يكون عنصريًا وأحكامًا مسبقة على النتاج الفني لأشخاص، عبر طريقة اللباس أو التصرف، ما يذكّر بآراء شعبوية محافظة بعضها كان ينتقد الرحباني نفسه على المنوال نفسه.
وتصحّ هنا العودة إلى رأي الرحباني المحافظ في شأن الوجود السايبيري، وتركيزه على استخدام الحرف اللاتيني، بل يكاد خط التماس الذي تخيلناه في بداية هذا النص يُرسى بالفعل!
تواصل وافتراق
في مقابلة قديمة مع الناقد الموسيقي نزار مروّة، سئل الرحباني عن كيفية اختراعه عبارة “بلا ولا شي” التي لم تكن منتشرة قبل صدور الأعنية بالعنوان ذاته. أجاب الرحباني بما معناه أنّ “بلا ولا شي” هي أكثر من “ولا شي”. بكلام آخر، هي ذاك الإغراق الموهوم في اللا شيء، الذي يفوق اللا شيء نفسه.
وفي الألبوم الأول لـ”مشروع ليلى”، قد تبدو أغنية “فساتين” النسخة الجديدة من “بلا ولا شي” للرحباني، لا سيما سماع عبارة “بلا ملايين، بلا فساتين”. كما أن حميمية أغنيات ظهرت في شريطي “معرفتي فيك” وكيفك إنت”، وصولًا إلى تجارب ربيع مروة مع “الصابون يقتل” (فريق زيد وياسمين حمدان حينها) هيأت الجو الموسيقي لأغاني “مشروع ليلى” صاحبة أغنية “عبوة”، حيث تُستعاد عبارة “تك تك تك يا أم سليمان” للأخوين رحباني، لتصير “تك تك تك تك بوم”… و”يفقع البستان”. للحظة، بدا ذلك تجاورًا ذا معنى، مع نقد وتحوير زياد الرحباني لبعض إرث أبيه وعمّه الكلامي. على سبيل المثال لا الحصر: “يا ريت، إنت وأنا بالبيت… بس كل واحد ببيت”. أما في الإنتاج الذي لم يسجّل بعد لـ”مشروع ليلى”، فتستدعي عبارة من نوع “بتكتبلا مقطعين، وبتكتر المقاطع، بس قبل ما توصل للكورس، تركتك!” في أغنية “سوسن”(3) مقطع “وأنا عم غنّي المذهب” من أغنية “سلملي عليه” للرحباني، أو بعض مقاطع “مش قصة هاي” التي تتحدث عن الأغنية… في سياق الأغنية.
هذا التواصل المفترض بين إنتاجات متباعدة يُعلَن افتراقًا كليًا وجازمًا على لسان الرحباني عند حديثه عن عدم كلام الفريق “بالعربي”، ويبدو خلط الرحباني واضحًا بين الكلام المغنّى ونطق المغني. والنطق، وهو على الأرجح خيار الفريق، يحتاج نقاشًا مستفيضًا يتخطى “مشروع ليلى” إلى نقاش طريقة اللفظ في أنماط موسيقية أخرى لفرق أخرى كالهيب هوب، وفي ما لو كانت هذه الطريقة يستدعيها الإيقاع الموسيقي نفسه.
أما في الكلام المغنّى، يمكن القول إن “مشروع ليلى” أكثر تطرفًا في خياراته، إذا ما قورنت بما ورد في إنتاج الرحباني الأخير مع فيروز “إيه في أمل”. يكفي أن نقرأ عبارات من نوع “وريحة شعرك على الشرشف حدّي، والناس دايرة بسياراتها برات الشبّاك”، أو “تجوزني واقرأ انغلز بسريري”، وصولًا إلى الشطحات من مثل “كأنوا موشوم، عشفافي اسمو، مزجها عفريت، بحبر مميت”، لنعرف التجريب المتطرف في العبارات لصالح المشهد المغنى عند “مشروع ليلى”، مقارنةً بالسكون العباراتي الذي انتهى إليه زياد الرحباني في “إيه في أمل”.
بهذا المعنى، يصبح اتهام الرحباني الضمني بانسلاخ تجارب “مشروع ليلى” (وغيرها) عن الثقافة الموسيقية واللغوية “بلا ولا شي” فعليّاً، لا مفترضاً.
جيلا العودة من السياسة وإليها؟
نعود إلى الصورة الأولى التي بدأ بها هذا النص: زياد الرحباني جالسًا بين الجمهور مشاهدًا سلبيًا في برنامج باسم يوسف، و”مشروع ليلى” فريقًا منتجًا ومؤديًا على المسرح. يسهل هنا اعتبار خط التماس الذي تخيلناه فاصلاً بين جيلين. إلا أن هذه النظرة تبدو قاصرة ومتعجلة. فإذا ما أردنا العودة إلى الطابع السياسي للحراك الشعبي الناشب منذ عامين وأكثر، لا يمكن حصره في الفئة العمرية الشبابية، رغم غلبة الفئة العمرية الشابة عليها، وتباعًا يظهر خط التماس أكثر في افتراق الرؤى السياسية بين الرحباني والفرق الغنائية التي انتقدها.
فالرحباني الذي بدأ في الماضي عابرًا على الانتاج الغنائي النضالي المباشر، في تجاربه الموسيقية الخالصة، بعكس زملاء آخرين على تماس مع “الحزب الشيوعي” كخالد الهبر ومارسيل خليفة، وعلى رغم “نشيد الأممية” وتجارب أخرى كان فيها في الخلفية مع خالد الهبر، انتهى عائدًا إلى هذا الموقع النضالي المغرق في المباشرة والذي كان أضعف ما في شهرة تجربته. إنه المعاكس التام لرحلة مارسيل خليفة، من أغانيه المباشرة إلى تعامله مع ولديه مثلًا.
هنا يبدو الرحباني كالعائد إلى السياسة المرتجعة، من زمن سابق فقَدَ كل رموزه وجدرانه وأنظمته، فيما فرقة “مشروع ليلى” عائدة منها محاولة الثبات في منطقة سياسية وسطى تبتعد عن تصنيفات الرحباني والخيارات السياسية لأخصام النظام اللبناني مثلًا. وانطلاقًا من ابتعاده هذا، تخترق وتجذب أطيافًأ متعددة سياسيًا، وفئة عمرية غالبها أصغر. لعل “مشروع ليلى” غير متوسّعة عمرياً، حتى الآن، لعوامل تتعلق بالنطق ونوعية الموسيقى، لكنها مرشّحة للانفلاش مع ظهورها الأخير في برنامج تلفزيوني جماهيري، وجولاتها الناجحة في بلدان عربية، وحضورها الثابت على الويب.
والمنطقة الوسطى تتطرف في خيارات أخرى. فهي تمامًا المنطقة التي يجتمع فيها من بات يغلّب الحرية الفردية على الصالح الوطني العام، ويرى أن الصالح الوطني العام يُبنى بعد إنجاز الحريات، لا قبله.
والفردانية هذه، التي تتضح كثيرًا في الخيارات المتضاربة في أغاني “مشروع ليلى”، تضمُر أكثر فأكثر في أغنيات الرحباني القديمة مع كل تصريح عام له يسترجع حلم المستبدّ العسكري العادل، والقيادة الصلبة في مرحلة زمنية وسطى ما زالت تهشِّم بقايا الصالح الوطني العام القديم بصورته العسكرية و”المدنية” الاستبدادية.
إنها رحلة العودة للرحباني إذاً، في تجليها الواضح. رحلة أكثر ما تتضح مع عبارة ترد في أغنية جديدة لـ”مشروع ليلى”، حتى لتكاد تظنها ردًا على الرحباني: “يأسوك (بثّوا فيك اليأس) حتى تبيع حرياتك، لـَ ما يضيع الوطن”.
روابط:
1) http://www.youtube.com/watch?v=WzreD9hU7g4
2) http://www.almasryalyoum.com/node/1604321
3) http://www.youtube.com/watch?v=yXorpxYmRRo