برنامج الواقع فعلًا

نُشر في April 25, 2013

Share Button

يقف المشترك وراء منبر ويوجه رسالته اليومية للبنانيين. في خليط من الاستدراجات العاطفية والاستعارات المحفوظة من الموروث التلفزيوني المحلي، يسمع المشاهد المقاربات التبسيطية في التعليق على أحداث اليوم في البلد والبلدان المحيطة.

تظهر الناشطة المدنية الضائعة التي تقارب العمل العام بمبدأ الجزع عند اكتشاف مقاربات لا أخلاقية في العمل العام. تطلّ مناصرة الجيش بالبدلة العسكرية لتوجّه تحية. يتقدّم الحزبي، الذي نسمع عن حزبيته عرضًا وبالصدفة على لسان مشترك آخر، ليطرح كلامًا أخلاقيًا، ومن دون أن يعرف المشاهد شيئًا عن تجربته الحزبية.

أما المشتركة المقربة حزبيًا فتلقي خطابها، متوخيةً، قدر الإمكان، عدم إظهار هواها الحزبي في العرض الأسبوعي العام (أمام أعضاء لجنة الحكم الضليعين في الإعلام والسياسة) وتقصر صراحتها على آرائها في البرنامج اليومي (للمشاهدين اليوميين) استدرارًا للتصويت.

وتبقى أخيرًا النكهة الملطّفة، الرافعة الأساسية لجماهيرية البرنامج، عنصر الجذب، عارضة الأزياء التي “تكتشف” السياسة ويكتشف المشاهد معها اكتشافها لها.

يحاول “الزعيم” الإدعاء أنه يقدّم بديلًا في مسألة تقديم مغمورين يحاولون ولوج عالم السياسة والشأن العام، لكنّه ينتهي إلى إعادة إنتاج النماذج السياسية نفسها، غير المغمورة إطلاقًا، من دون أن يملك حتى جرأة تقديم النماذج بوضوح.

وفي سياق ذلك، يكرّس أحكامًا احتماعية من خلال استجلابه النموذج المغرق في التطرف: عارضة الأزياء التي لا “تفهم” السياسة، وتكتشف تباعاً الأشياء.

وإذ يدافع أحد أعضاء اللجنة عن تجربتها محاولًا إخراجها من دائرة الأحكام هذه، سرعان ما يطلب منها.. أغنية (!).

يهشّم البرنامج أيضاً نماذج أخرى هي موجودة فعلًا لكنها لا تختصر مجتمعًا مدنيًا، فيقدّم نموذج الناشط المدني القاصر عن الفهم السياسي. هل كان أجدى للبرنامج أن يقدّم الأطياف السياسية اللبنانية كما هي عليه في الواقع، وأن يسعى لإعادة إنتاج السياسة المعدومة بين ممثليها على الشاشة؟ هل كان سيقدم جديدًا فيما لو حاول أن يقدّم من هو خارج هذه الأطياف، من دون أن يقع في تصدير نموذج الخط الثالث الجاهل سياسيًا أو الذي يقدّم مقاربة أخلاقية غير قابلة للصرف سياسيًا؟

أسئلة كهذه توصل إلى طرح المسألة الأساسية: ما الذي يقدمه البرنامج بالفعل؟ ماذا يقول أكثر من أن قناة محلية تستطيع أن تنتج صيغة (مرتبكة) خاصة بها وإن استلهمت صيغات البرامج الغربية؟ وماذا يعني إنتاج برنامج واقع يلامس السياسة ولا يخوض في نقاشها الحقيقي؟

في العرض الأسبوعي، وبعد عروض راقصة ابتدائية تستخدَم فيه قناعات غاي فاوكس مرة، والبذات الموحدة مرة أخرى (في مقاربة بصرية يراد منها إضفاء الجانب الترفيهي وتنتهي بالتذكير بظهورات العسكر الجماعية في الدول التوتاليتارية)، وأمام لجنة من الإعلاميين الضالعين بالسياسة، فيما عدا ظهور للوزير زياد بارود في فترة إطلاق البرنامج وآخر للنائب غسان مخيبر، يتوالى ظهور المشتركون ليعرضوا ما حققوه من التحديات التي طلب منهم تنفيذها في الأيام السابقة.

لماذا إعلاميين؟ هل بوصفهم سلطة رابعة تلاحق وتصوّب؟ أم لأنهم يساعدون في تشكيل الصورة التي يظهر عليها المشتركون؟ ما من إجابة واضحة لانتقاء كهذا.

أيًا يكن، في الحالتين، يعرف الإعلاميون أنفسهم أنّ علاقة الإعلام بالسياسة في لبنان، الذين هم جزء منها، لم تعد تقارَب على هذا المنحى الرقابي أو التشكيلي.

وفيما يبدو استجلاب أعضاء لجنة الحكم المنغمسين في الإعلام السياسي غريبًا مع انعدام العمل السياسي الحقيقي في البرنامج، لا يهتم “الزعيم” بالإجابة عن أسئلة الهوية التي من شأنها أن تطبّع ظهوره المرتبك. ولا يساعد تلطيف لفظ “الزعيم” بالحديث تكرارًا عن “القيادة” إلا في تكريس مفهوم “الزعامة”.

لا يتجرأ البرنامج حتى على الشرح أن اختيار “القائد” كعنوان للبرنامج، كان ليبدو “ستاتيكيًا” مقارنة بـ”الزعيم”. هذا طبعًا أمر بديهي، ويعرف صانعو البرنامج أن المشاهدين يفهمون قواعد الجذب التلفزيوني، لكن على الرغم من ذلك، تستمر هذه التبريرات الكلامية بين “القيادة” و”الزعامة” خلال الحلقات.

يحاول “الزعيم” أن يقترب من برنامج دونالد ترامب The Apprentice، ويرغب في القبض على الإثارة الحسيّة العامة في برامج الواقع من صنف المنوعات الغنائية، لكنه يفوز فقط بعرض تشكّل الصورة الكلاسيكية متواضعة الجودة للسياسي اللبناني الذي ينتظر ترشيحه من أحد لانتخابات قادمة بلا قانون انتخابات حالي.

“الزعيم” هجين منوعاتي سياسي (بالمعنى اللبناني) ثقافوي لا ينجح إلا بوصفه منتجًا استهلاكيًا قصير الأمد تنتهي فاعليته بانتهاء وقت عرضه.

يقدّم البرنامج انعدام السياسة مقتطعًا بالمَغنى البائس، مقتطعًا بالرقص متواضع الجودة، مقتطعًا بالإعلام المكرّس.

“الزعيم” لا يطرح جديدًا لا في التلفزيون ولا في السياسة، بل لعله يفشل في الإثنين. يعكس فقط واقع انكماش السياسة والإعلام اللبنانيين المملين في توقع خطَّيْ سيرهما. في ذلك، ينجح فعلًا في كونه برنامج واقع.

نٌشِر في جريدة المدن الإلكترونية