أهلاً بكم في نشرة “أل بي سي” الجديدة؟

نُشر في August 3, 2012

Share Button

«أهلاً بكم في جمهورية العار».

بهذه العبارة، ختمت «أل بي سي» مقدمتها الإخبارية مساء الثلاثاء الفائت، لتتحوّل تلك المقّدمة إلى ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي. كثيرون تناقلوا المقدّمة، ووصل عدد زائري صفحتها على موقع «المؤسسة اللبنانيّة للإرسال» إلى أكثر من 6 آلاف زائر، كما تابعها على «يوتيوب» أكثر من 27 ألف متصفح، وهو رقم قياسي نسبةً إلى مقدّمة نشرة إخبارية محليّة.

بعد فترة من خطوة «أل بي سي» الأولى باتجاه شكل نشرتها الجديد ـ استديوهاتٍ وطريقة عرض ـ بدا أنّ شيئاً ما، كان لا يزال ناقصاً. تلا ذلك انتقاء دقيق لعناوين النشرة، إذ صارت تهجس بهمّ المواطن، أكثر من متابعتها لتحركات السياسيين.. إلى أن جاءت الخطوة الأخيرة، في إعادة صياغة المقدّمة بما يحترم تاريخ مقدمات «أل بي سي» البانورامية المعروفة، مضافاً إليها إثبات الموقف. صارت المقدّمة كمقالة رأي رصينة بنفس شعبي، من دون أن تلجأ إلى الغمز واللمز أو تستخدم المحسّنات البديعية بطريقة رديئة، على نمط مقدمة قناة «الجديد».في تلك المقدّمة، أعلنت «أل بي سي» موقفاً واضحاً من كلّ القضايا السجاليّة في البلد: الانحياز للمواطن والمواطنة المنتهكة أجسادهم، الانحياز لحريّة المواطن الجنسية بلا محاذير دينية أو اجتماعية، الانحياز للعامل المياوم الذي يفتقد أساساً إلى أبسط حقوقه الإنسانية، تهشيم النظرة الكلاسيكية في النظر إلى أيّ تحرك عمالي أو شعبي في البلد من خلال تطييفه ومذهبته، الانحياز للأساتذة والطلاب معاً في مطالبهم المحقّة، ثم التذكير بمأساة المخطوفين اللبنانيين في سوريا، وهي قضية كان للقناة والنشرة السبق في توضيح بعض الالتباسات الدائرة حولها، مقارنة بنشرات أخرى أمعنت في حصار أهالي المخطوفين بالأسئلة الغريبة التي لا تضيف جديداً، وفي فتح الهواء بلا أي تحديثات تذكَر. أما خاتمة المقدّمة فأتت لتربط السياسي الإقليمي، بجمهورية العار نفسها التي تقف عاجزة أمام حوار معاد بين أركانها، فتبتدع هيبة سوريالية بانتهاك أجساد المواطنين وهضم حقوقهم.

وخيار الخروج على الهواء بهذه المقدّمة، يضع أمامنا ملاحظات عديدة. فرغم كون هذه المقدمة «بياناً أولاً»، لكنّها قد لا تعدو كونها جسّ نبض، لتحديد إمكانيّة السير في هذه السياسة التحريرية الجديدة أو العودة إلى النمط البانورامي الكلاسيكي الذي لا يتخذ مواقف حادة، كما اتبعته «أل بي سي» لسنوات طويلة. من ناحية أخرى، يبدو أنّ «أل بي سي» تعيد صياغة علاقتها مع جمهورها «التاريخي»، وامتداداته في بيئات سياسية واجتماعية ودينية مختلفة. وهو جمهور قد لا يتقبّل تلك المواقف المناصرة بحدّة لقضايا الحريات الفردية، وبما يخالف التنميط المعهود في عرضها، كما نرى في برامج «أل بي سي» الاجتماعية مثلاً.

تكرّس خيارات نشرة «أل بي سي» الجديدة، المنافسة مع نشرات أخرى وتحديداً نشرة قناة «الجديد»، التقديم وطريقة العرض. فإذا كانت «أل بي سي» قد وجدت صيغة أولى لطريقة تقديم مقدمتها كمقالة رأي، من دون أن تنجرّ إلى كوارث المحسنات البديعية أو رمي بالونات اختبارات للسياسيين كما في مقدمة «الجديد»، فإنّ طريقة عرض التقارير لا تزال كلاسيكية نوعاً ما. وعلى الرغم من سرعتها، ويبدو هذا إيقاعاً مقصوداً. فالمراسل لا يظهر على الشاشة، ولا يطرح جديداً في الصورة كما بعض التقارير الخاصة لقناة «الجديد» (أنظر بعض تقارير رامي الأمين ورياض قبيسي غير السياسية). وإذا كانت مقاربة «أل بي سي» ترمي إلى عدم تنجيم المراسل على حساب الموضوع (وهذا مفهوم)، لا يزال من الممكن الوصول إلى صيغة ما خاصةً مع انضمام مراسلين جدد لم يبنِ المشاهد علاقة بصرية معهم بعد.تراهن «المؤسسة اللبنانية للإرسال» على ربط النشرة الإخبارية بصحافة المواطن أكثر، ولـ«أل بي سي» تجارب عديدة فيما يسمّى مشاريع الـ Corporate Social Responisbility، ليس آخرها «شوف حالك». ومن الممكن أن يتم دمج أفكار كهذه في سياق النشرة من خلال عرض آراء ولقطات وتحديثات المواطنين. وقد يكون مناسباً أن تربط النشرة بالإعلام الاجتماعي أكثر فتتفاعل أكثر مع الناشطين المعروفين على الشبكات الاجتماعية، وتعرض تفاعلات المستخدمين العاديين، مع تقارير عرضتها القناة في نشرة سابقة، وتفنّدها في تقاريرلاحقة.قامت مقدّمة «أل بي سي» الشهيرة، بتهشيم السياسة من دون أن تهمّشها، بل ألقت عليها بالمسؤولية. إذ أن الطبقة السياسية باتت مكشوفة للغاية ويمكن توقّع ردود أفعالها حول أي موضوع في أي وقت. لكن من السهل أن ينتهي هذا الأسلـوب الجـديد إلى تنفيس يومي لا أكثر، من أي توابع، ولن يحـول دون ذلك إلا جدية «أل بي سي» في فتح بعض الملفات ومتابعتها (أنظر قضية ضرب العاملة الأثيوبية عاليم ديسيسا واستضافة الناطقة باسم العمال الأثيوبيين في صدارة النشرة).

ما لا يمكن نكرانه أنّ نشرات الأخبار الليلية تشكّل (أو على الأقل تدفع) الرأي العام، خصوصاً مع الطريقة التي أعطيت فيها الرخَص لوسائل الإعلام وتوزع «جماهيرها». لم يفلت من تلك الرخص إلا «الجديد» (مع استثناء الرهاب الحريري فيها بغض النظر عن الموضوع المطروح)، و«أل بي سي» (باستثناء أخبار القوات «الإعلانية» حينها). نحن أمام تموضع جديد، يعلي الاجتماع على السياسة، ويهرب من الوقوع في زواريب السياسة، ويعيد السياسي إلى مكانه الطبيعي بوصفه موظفاً لا نجماً. فأهمية مقدمة الثلاثاء أنها تعلي المواطنية، وتعلن القطيعة مع الطريقة اللبنانية الكلاسيكية في مقاربة الموضوعات بتطييفها وتسييسها.. وفي مواجهة «صيغة عار» تلتقي على مواجهة خيارات وحقوق المواطنين الخارقة للسلطة البطريركية، عاداتية كانت، أم دينية، أم سياسية.

هل نستطيع الآن إذاً أن نقول: أهلاً بكم في نشرة «أل بي سي» الجديدة؟

نٌشِرً في صوت وصورة بجريدة السفير في 8 آب 2012

lbci copy