كارثـة الطائـرة الأثيوبيـة علـى تويتـر
نُشر في January 27, 2010
«زوجي كان على تلك الطائرة. لكني أعلم في أعماقي انه ما زال على قيد الحياة». إنه مساء الإثنين. يعيد مستخدمون «تَوْتَرة» هذه الجملة مراراً على لائحة «تويتر» الخاصة بكارثة الطائرة الأثيوبية (ET409 ). لكن مهلاً. هذا ليس خبراً حقيقياً. إنها محاولة للتعاضد مع من قد يكون فقد حبيباً حقاً، أو زوجاً، أو أخاً أو صديقاً على تلك الطائرة. هي جملة معادة تتردد على لسان امرأة كلما حلت كارثة طيران، يمكن تذكر وردوها في أكثر من فيلم وأكثر من تقرير تلفزيوني كارثي لسقوط طائرة.
يصر مستخدم هذه الجملة على «تويتر» على تضمينها بين مزدوجين لئلا يُحدث لغطاً. المستخدمون الآخرون يعيدون تصدير العبارة مع حرفيRT يسبقانها، يليهما اسم المستخدم كاتب الجملة. لـ«تويتر» أصول استخدام، عليك أن تورد اسم المستخدم الأول / مصدر الخبر عند إعادة توزيعه، وربما المستخدم الثاني الذي نقله، إذا ما اتسعت الرسالة ذات الـ140 حرفاً لذلك. ورغم أن الأمر لا يرتبط بلائحة قواعد مكتوبة، إلا أن المستخدمين (ربما عن خبرة من أحداث سابقة) لا يثقون بأي خبر إلا إذا أُرفِق مع اسم المصدَر. والأمر عرضة للنقاش: تضع خبراً، فتُوجَّه لك أسئلة من مستخدمين آخرين تتحقق عن بعض التفاصيل. أنت مراقَب، خارج عن المنظومة الرئيسية للإعلام المعتمدة على مركزة الخبر. هنا، على «تويتر»، يصبح المستخدمون كلهم سواء يراقبون صحة أخبار بعضهم.
لا تشمل المراقبة فقط الأخبار التي تتم «توترتها» من بعض المستخدمين، بل تتعداها إلى مراقبة تغطية الإعلام المحلي للكارثة الجوية. «أل بي سي» تنال حصتها من النقد في تغطيتها المسائية. التويتريون يبدون رأيهم في ما يرد في برنامج «كلام الناس» تباعاً على الشاشة. بعضهم يورد مقتطفات من أحاديث الضيوف، والبعض الآخر ينتقد طريقتهم العادية الخبرية الخالية من أي تعاطف. «ماذا أصاب فريق «أل بي سي»؟»، يسأل أحد المستخدمين، فيجـــيبه آخر سائلاً: «ما المشكلة في تغطية «أل بي سي»؟»
الوزير غازي العريضي متابَع أيضاً على تويتر. تصريحاته تثير نقاشاً. «هل لام الطيار؟»، يسأل مستخدم. يرد آخر: «لا لم يلمه، أنا أتابع المقابلة، كن دقيقاً».
على تويتر، إعلاميون يكسرون بعد المسافة بين الشاشات والأناس العاديين، ويتواصلون مع بعضهم بعيداً عن «قيد» الشاشات. الإعلامية اللبنانية العاملة في «سي أن أن» أوكتافيا نصر، تشجع زميلتها تانيا مهنا مراسلة «أل بي سي» التي تغطي الحدث على الأرض منذ «ساعة باكرة صباحاً وفي ظروف جوية سيئة». تانيا حاضرة أيضاً على «تويتر»، لكنّ صفحتها لم تحدَّث منذ أسبوع.
تتابع أوكتافيا «التـَوْتَرة». تسأل زميلها مراسل «سي أن أن» في بيروت كال بيري، إذا ما حظي بأي» شاهد عيان صادق رأى ما حدث للطيارة الأثيوبية». ثم تضيف قائلة «إنه يومٌ ثانٍ حزين»، وتأمل أن «ترقد الخادمات الأثيوبيات اللواتي لطالما اهتممن برعاية بيوتنا بسلام»، وتنعى عضو مجلس إدارة «أم تي في» خليل الخازن، الذي سيفتقد الناس «طاقته واحترافيته وتواضعه» (توردها بين مزدوجين ربما نقلاً عن مستخدم آخر)، ثم تنقل جملة أخرى عن صديق أحد الركاب: «كيف يمكن أن يتحول إنسان في رفّة عين، من «عمره 42»، إلى «كان عمره 42»؟
إنه يوم الثلاثاء، كال زميل أوكتافيا في «سي أن أن» وعلى موقع «تويتر»، يقول: «صباح الخير بيروت» ويعلن أنه «يمضي نهاره خارج المستشفى حيث الجثث تصل وترحل»، ثم يورد الجملة الآتية: «كم هو غريب / حزين / مزعج أن ترى السفن الحربية تزنِّر الشاطئ اللبناني. الناس هنا مرت عليهم حروب كثيرة».
يتابع كال «التَوتَرة» من جوار المستشفى. يوجّه له مستخدم طلباً بأن يضيف رمز ET409 في نهاية أخباره ليسهل على المستخدمين متابعتها على اللائحة الخاصة بالحدث، ولا يلبث كال أن ينفذ طلب المستخدم، لتظهر أخباره اللاحقة على الصفحة الجامعة لأخبار الكارثة.
على «تويتر»، مستخدمون يتأففون من قطف السياسيين ورجال الدين للحظة، وسيطرتهم على الشاشات، ويعلنون عدم ارتياحهم للإيراد المتكرر لجنسيات الراكبين، والتركيز فقط على الركاب اللبنانيين في بعض وسائل الإعلام حتى ساعات متأخرة من نهار اليوم السابق، وكأن الآخرين لا يملكون عائلات أو أصدقاء، ثم لا يلبث أحدهم أن يورد تغطية صحيفة «ذي غارديان» عن عاملات أثيوبيات كان لهن أصدقاء على تلك الطائرة، ويسألن «لماذا لا يعاملنا اللبنانيون بطريقة جيدة؟ نحن بشر مثلكم»، ويذكر مستخدم آخر رابطاً يؤدي إلى صفحة تورد أسماء الركاب الأثيوبيين. على «تويتر»، يحضر مستخدمون فقدوا أقرباء على الطائرة المحطمة، أو ينتظرون خبراً يقيناً يثبت خبر الموت المؤجل. التعازي للمستخدمين ذوي العلاقة، تتوالى. عبارة «فليرقدوا بسلام» التي تختصرها أحرف RIP توجه لهم أكثر من مرة من أكثر من شخص. يفصح مستخدم أنه «أضاء شمعة ليلة أمس للضـحايا»، وأنها «لا تزال تحترق».
هو الموت يعاود زيارته، تماماً كالجملة المضمّنة بين مزدوجين، التي بدأ بها هذا المقال.
نُشِرَ في صوت وصورة في جريدة السفير في 27 كانون الثاني 2010