حبل البهلوان

نُشر في March 11, 2009

Share Button

2009 03 11.. وسأرفع شارةَ النصر، مثَقَّفاً شيوعياً ملحِداً استيقظ على كونه شيعيّاً بالولادة. فأتوخى أن أظهر هويّتي الشيوعية/ الشيعية الحرّة، والحرّة فقط منذ أعوام أربعة في صراخ إعلامي صار يسمى سياسة. وأنا في أسوأ الأحوال، ولأسباب اجتماعية شديدة الخصوصيّة، «علماني» شيعي أمام جدتي المتديّنة.
سأعلن الانتصار يسارياً في اليمين، أو يمينياً في اليسار، لكن بديموقراطية. فأتعهّد الإطلالات الصحفية، الشتّامة لخارج قريب والمغفِلَة لخارجٍ بعيد، وأعتمد سياسة تقطيع الوقت. سأحرص على أن أحيّي رجل الدين المسيحي على موقفه السياسي الأخير، أو أدافع عن الدولة الإسلامية الكبرى لأنها راعية المحور الذي أنتمي إليه. سأجمع حولي بعضَ شبابٍ متحمس، مغرقاً إياهم في مازوشية خالصة. الحماس هو الوجه البريء للوهم.
.. وسأرفع الأصبعين، شيوعياً مبرِّراتِيّاً. أصمت عن تجاوزٍ مجاوِر وأبرِّر بوجود معسكرين دون ثالث. وآخذ أنسج تحالفات غريبة عجيبة، لأن المرحلة تقتضي ذلك. المرحلة تقتضي دائماً التبرير. ومن لا يبرر مثلي، يكن يسبح في ملكوته الخاص، ومحيطه الشخصي لا يتجاوز قطراً من سنتمترٍ واحد حوله. سأبرر إذاً، وأرد على اليساري/ اليميني باسترجاع إسهامات المسيحيين في العروبة الحديثة، وهي لا شك صحيحة إن كان مسيحيوها عرَّفوا عن أنفسهم من خلال مسيحيَّتهم. ثم أنطلق من هنا لأتحالف لحظياً مع فصيل يدافع عن حقوق المسيحيين أيام رنين جرس انحدار شعبيته، وأصر على كونه يملك حداً أدنى من العلمانية. مفاجأة: هناك حد أدنى من العلمانية. وهذا الحد الأدنى من العلمانية وما تتبعه من سطوة عناوين مقدسة أخرى ستسمح لي بتبرير تحالفاتي اللحظوية الأخرى.
.. وسيتنازع جزئي المبرِّراتي مع جزئي اليساري/اليميني على الاستئثار بشخصياتنا التي رحلت غيلةً أو باكراً، فيخوض جزأايَ معركة إثبات الوجود، بحملات محمومة من إلصاق صورهم المذيَّلة بتوقيعيَّ على جدران بيروت. سيمتهِنان لعبة الضرب ما تحت الحزام، ويتعاركان على ذكرى رجال.
ثم سأصاب بالضياع. جزأاي انتصرا من دون أن يغلبا بعضها. أصمت ولا أشتم. أصل إلى فترة اللا اكتراث، ويأبى أصبعاي أن يرسما شارة تشرشل الشهيرة. أنظر إلى المرآة وأطلق النار على صدغي. تتَّسع بقعة الدماء تحت رجليَّ. تفوتني التسوية القادمة على حساب جزأايَّ المتناحرين. وَلِحَظّي التعِس، لا أشهد موكب رش الأرزّ القادم. لا ينتبه أحد لمماتي. أنا الوحيد في المعسكر الثالث مع وحيدين آخرين. وحيدون لا يشكلون كتلةً دافعة، ولا يُرَقَّمون. يخطون خطوات بطيئة وقلقة على حبل بهلوان. أنا البهلوان، أخطو إلى الأمام، وأتراجع إلى الوراء. أخشى السقوط. أنظر إلى طرفين يمسكان بالحبل كل من جهته وبيد كل منهما مقص جاهز. يهجس بي خاطر وأنا هناك. سأعثر ثانيةً ـ كما فعل أسلافي ـ على «مسيرة كبرى» تتحمل النقد والمساءلة الدورية دون سطوة العناوين الكبيرة. قد أبحث عنها ولا أجدها. وربما، ببساطة مطلقة.. أرحل.
ما همّ. غداً، يجدها غيري ويرفع عندها الأصبعين. هناك قطعاً من سيرمي الحَجَرَ في البحيرة الآسنة المسماة.. وطناً.

نٌشِرَ في شباب السفير في 11 آذار 2009

Comments