فوسفور، خبز، قهوة

نُشر في January 28, 2009

Share Button

2009 01 28

أنت وأنا
“نجَّم” المذيع. صوَّرهم وتكلَّم عنهم و”نجَّم”. هل يُلام؟ أنت الذي تكتب قصتي الآن، ألا تفعل الشيء ذاته؟ يا خطاً رفيعاً بين الاستخدام والدعم، يا خطاً رفيعاً بين المال والمهنية، من يحددك؟ من يراك؟ وأنا؟ أنا؟ (أنت من يكتب “أنا”. هل هو “أنا” فعلاً؟ أسألك أنت. أنت!) متى أتوقف عن طرح الأسئلة وأقبل بكل شيء؟ بالقتل وتغطيته؟ بالحروب المراقبة دولياً؟ (هذه أسئلة تطرحها أنت الذي تكتب). أنا، متى أتوقف عن استخدام علامة الاستفهام البائسة هذه؟ (هذا أنا، لا أنت!)

قصيدة ذكيَّة
هناك من يوزّع المنايا من وراء حدود تعبتُ في ملاحقة ترسيمها على الأرض.
“حديد، رصاص. حديد، رصاص. حديد، رصاص”. الرصاص رحمة. الرصاص ذكرى سبعينية وثمانينيّة فات أوانها. الرصاص حكايا الآباء والأجداد. يا شعراء، وسِّعوا معاجمكم. أدخِلوا ألفاظاً حديثة، حدِّثوا معلوماتكم عن الأسلحة الذكية. جدِّدوا قوافيكم. واكِبوا العصر.

الخبز
سيرمون الخبز لي عبر شاشة أو في ملعب تابع لمدرسة سكنْتُ فيه بعد نزوحي، لكني لن أمد يديَّ لأتلقفه. لا يعني لي الطحين شيئاً. سأنزوي في زاويتي وأهمهم أغنيةً قديمة، بل بالغة في القدم. ربما بموشّح لشاعر أغفل التاريخ اسمَه. هو شيء ما لا يرتبط بما يحدث. أصلاً لم يحدث شيء سوى ذلك الحدث الذي شهدتُه بعد دقائق؛ عندما ضوّت السماء وسمعتُ الصوت. حينها، رفعتُ رأسي ورأيتُ الألوان تضيء العتمة.

الفوسفور
اكتشفتُ أنني لستُ  “أبيض” البشرة. تأكدت من ذلك لحظة رأيتُ البقع البيضاء ترقِّط بشرتي، فلحظت الفرق بين لون بشرتي، ولون البقع. دخل المذيع إلى المستشفى. واتجه تواً ناحيتي. أراد تصويري. أغلقتُ الستارة في وجهه. افهموني. لستُ جاهزاً لأريَ أحداً بقعي البيضاء. سأتآلف معها أولاً، أعتادها ومن ثم سأدع المذيع يستخدمها لـ”ينجِّم”. لكنني لحظة سأفعل ذلك، لن أصرخ. لا تملك حنجرتي الطاقة على الصراخ والولولة كما اعتدت أن أفعل أكثر من مرة. أكره “الديجا فو”. لكن الأمر مختلف هذه المرة. لسبب ما أظن أن هذا يحدث معي لمرة أولى ووحيدة.

قهوة

وصل الحريق عظمي. اجتاحني الأبيض. من فوق، أرى جسدي معرّياً على عشب يشرب ماءَ مطر تشبَّع بفوسفور الهواء. الآن، أنظر إلى جسدي تحت ملفوفاً بقماشة بيضاء. بعد قليل، سيأتي سائق عربة الإسعاف ليتحسّسني أمام كاميرا المذيع النجم، وسيبكي قليلاً، وقد يولول. الآن، سأرى كل ذلك من وراء شباك. سأصمت وأكتفي بمسح ندى الشباك الذي خلفه هطول المطر في الخارج.

الآن يحفرون لي قبراً، في هذه الهدنة “بين رصاصين”. الآن، أسمع شاعري المفضل يخاطبني قائلاً: “أنت بنفسج القنبلة(..) أنت امتداد الياسمين”. هل خصَّني أنا بكلامه ذاك حقاً؟ نعم قال لي ذلك. أنا متيقن. هو جاري وكليمي.

حظيْتُ بما تمنيته. الآن، أتخيّل البحر جفَّ، وتجاعيد الجبال ازدادت. أنتبه أنّ الطيور اختفت، والسمك مات. الآن، أرى الياسمين يزحف فوق كل الدم. تتراكض الغصون مع تلك الخاصة بثمرتيْ البرتقال والتين. تغطي الأغصان كلها الرمل المنكوش وتتصاعد حتى السماء. خلايا نباتية تستولد بعضها، وتكاد تمتص بقايا الفوسفور العالق في الهواء. تغطي كل شيء حتى لا أعود أرى شيئاً.

الآن أتوقف عن المشاهدة، أفقد البصر وأحتفظ بقليل من بصيرة يكفي لأتيقن أني متُّ.

لكن ما هم؟ ولِمَ عليَّ أن أبكي وأنوح؟ ها أنا أرشف القهوة.. مع شاعري المفضَّل!

نُشِرَ في شباب السفير في 28 كانون الثاني 2009

Comments