“عروس” لتيتا لطيفة
نُشر في November 26, 2008
مرِّر تيتا لطيفة في الإعلان شنطة اليد خاصّتها في جهاز مراقبة حقائب السفر. يأخذ رجل الأمن في المطار الشنطة ويفتحها ليفاجأ بعلب اللبنة والجبنة داخلها. يقول بالفرنسية “هناك الكثير من السوائل”. تستنجد تيتا لطيفة بالرجل القريب منها لفهم ما قيل بالفرنسية. يجيبها مرافقها بأن رجل الأمن يرفض أن تأخذ معها كل هذه الكمية. تجفل تيتا لطيفة. هذه لبنة وجبنة حمّلتها معها إلى كندا لأبنائها وأولاد أولادها. تستعطف رجل الأمن، فلا يرد. يترجم مرافقها استعطافها إلى الفرنسية على طريقته، لكن تبوء جهودها في تمرير أطعمتها بالفشل.
الإعلان المعروض على الشاشات ذو حس كوميدي للغاية، عن لبنة وأجبان من مزارع محلية، أخرجته المخرجة السينمائية نادين لبكي ونفذته وكالة “ليو بورنت” الإعلانية و”زوو” للانتاج.
أهم ما في الإعلان، على جاذبيته الكوميدية، هو ارتكازه على مشهد قد يحصل كلياً أو جزئياً في الواقع، وعلى متغيرات أمنية حصلت بعد الحادي عشر من أيلول، من مثل منع نقل إلا قدر يسير من السوائل والمواد المائعة في شنط المسافرين.لكن لندع التفاصيل الأمنية جانباً. الأبرز في المشهد التمثيلي الإعلاني المذكور أنه مشهد مستخلص ومستعاد، ويذكِّر بمشاهد شبيهة، فلطالما فوجئ الشبان الذين أتوا ليقضوا عطلتهم الجامعية في لبنان وعادوا إلى بلد المهجر، بالأطعمة التي دُسَّت طوعاً وغصباً من أمهاتهم عندما يصلون إلى نقاط التفتيش في المطارات أو إلى غرفهم عندما يفتحون الشنط: كشك، هندبة، صعتر، زيتون، جبنة ولبنة، وأطعمة مطبوخة عـ”الحارك” ومغلفة، لا تعد.. ولا تحصى.في إعلان كهذا، تنتمي الشخصية المحورية “تيتا لطيفة” إلى أصعب الفئات العمرية لجهة إدارتها فنياً وتمثيلياً. إذ غالباً ما يصل الممثلون المحترفون في عمر مماثل إلى أداء نمطي يحفظه المشاهد، بحكم تتابع السنون، ومعها الأعمال الفنية. لكنّ نادين لبكي تكرر تجربة فيلمها السينمائي “سكر بنات” فتعاود التعامل مع هذه الفئة العمرية وتأتي بوجه غير محترف لتُخرج منه مقدرة تمثيلية لا تقرب الاصطناع، يساعدها في ذلك أسلوب تكثيف اللقطات المشهدية القصيرة.
رغم أن الإعلان يخرج من اللحظة الراهنة بتفاصيله البسيطة لكن المستمدة من الواقع، غير أنه يبقى ألطف من أن يُحَمَّـل ما لا يحتمل، شأنه شأن سلسة إعلانات مماثلة راجت في السنوات العشر الماضية مع تطور صناعة الإعلان في لبنان، وكان معظمها (بالتحديد تلك التي لا تَستعرض تقنياً) يعتمد على تفاصيل وعادات مجتمعية ما باختلافات طفيفة، مما يضع بسمة لا إرادية على ثغر المشاهد، وشهرة طاغية للإعلان طيلة فترة عرضه القصيرة.في الخاتمة، تغري تيتا لطيفة رجل الأمن بسندويشة لبنة فلا يرضخ لمرادها. تحضر عبارات مترجمة حرفياً على الطريقة اللبنانية كما عندما تؤكد “تيتا” للحارس انه لو تذوق اللبنة سوف “ياكل أصابعه وراها”. وهنا كان لا بدّ لسوء التفاهم القائم على الترجمة الخاطئة أن يلعب دوراً في إضافة النفس الكوميدي للمشهد، فتيتا لطيفة تعرف فقط بضع كلمات فرنسية، لكنّ ذلك لا يمنعها من استعمالها سواء أكان هذا الاستخدام خاطئاً أم مصيباً. ينتهي الأمر بتمرير علبة واحدة تمثل الكمية المسموحة. لكن تيتا لطيفة تفهم “المؤامرة”. إن هذا المنتوج أقوى من أن يقاوم، ورجل الأمن صادره لتذوقه، فلا يكون منها إلا أن تقدمه هدية ليأخذه لعائلته وأولاده، ثم تأسف وتلوم تقصيرها لأنها.. لم تحسب حساب الشباب – مساعدي رجل الأمن ـ كما يجب، فتعدهم بـ “autre fois”!
كم تيتا لطيفة تقبع في بيوت المدن والقرى؟ من يلفّ “عروساً” لتيتا لطيفة وغيرها من الأمهات والجدات اللواتي لا يكللن ولا يمللن من إطعامنا، وتغذيتنا ودسّ الأطعمة والمعلبات في شنط سفرنا خلسة؟
نُشِرَ في صوت وصورة بجريدة السفير في 26 تشرين الثاني 2008