“ناصر”: أغنية الشارة تصيب المسلسل في مقتل!

نُشر في September 8, 2008

Share Button

2008 08 08

في رمضان 2008، يبدو مسلسل »ناصر« الأقرب إلى تجربة »الملك فاروق«: طاقم ممثلين مصريين بإدارة مخرج دراما سورية، لكن بإنتاج غير سوري، محاطاً بطاقم تقني مصري ـ سوري وفريق ماكياج إيراني انتقاه المخرج. إذا كان »الملك فاروق« قد كسب العام المضي بسبب سوية فنية كان سببها الرئيسي مخرج العمل، ولطرحه المغاير لكل السير والقصص السابقة الشائعة عن فاروق والتي تمّ إيرادها على طريقة النسخ واللصق في كل الدراما السابقة التي تطرقت من قبل للملك، فإن »ناصر« يواجه مهمة أصعب: بعد »ناصر 56« لمحمد فاضل، و»جمال عبد الناصر« للقوادري، »أم كلثوم« لإنعام محمد علي، و»العندليب« لجمال عبد الحميد ومسلسلات أخرى ظهرت فيها شخصية الرئيس المصري إما جزئياً وإما بالتفصيل، ما الجديد الذي سيضيفه مسلسل »ناصر« ليسري الجندي وباسل الخطيب؟

ما زال الوقت باكراً للحكم على المسلسل برمته، لكن المنحى الإخراجي لباسل الخطيب يبدو جلياً منذ الحلقات الأولى، وهو أسلوب لم يغيِّره منذ »نساء صغيرات« مروراً بـ »حنين« وصولاً إلى »رسائل الحب والحرب«. أسلوبٌ أكثر سماته وضوحاً استخدام الخطيب للمشاهد البطيئة في اللحظات المشحونة عاطفياً، والموسيقى التصويرية المتماثلة والمكررة في معظم مسلسلاته والمصحوبة بصوت نسائي.
يحسب للخطيب حتى الآن خروجه من التقليد المصري المعتمد في الدراما التلفزيونية والمتمثل في استخدام كاميرات ثلاث والإفراط المنهِك والغريب في استخدام »الزووم«، وهو أسلوب اشتهر به اسماعيل عبد الحافظ في »ليالي الحلمية« وفي مسلسلاته كافة التي أخرجها بعد ذلك، وتعارَف صحافياً على إطلاق صفة »الكاميرا المراهقة« عليه.
يعمل الخطيب في الدراما التلفزيونية المصرية كما اعتاد أن يعمل في الدراما السورية. هذا شيء صعب، يحكمه تغيير نمط تمثيلي اعتاده الممثلون المصريون منذ عقود. المدرستان الإخراجيتان السورية والمصرية مختلفتان تماماً. حاتم علي خاض التجربة، ونجح نقدياً وجماهيرياً في »الملك فاروق«، فيما أخفق الأردني محمد عزيزية نقدياً في مسلسله السابق مع يسرا واكتفى بنجاح جماهيري ما.

أغنية الشارة
في الحديث عن نواحٍ أهم تمس المسلسل ككل، لنتغاضَ أولاً عن كون المسلسل تحت إشراف كريمة الرئيس الراحل هدى عبد الناصر، وهي تجربة ثانية ـ لا تشجِّع ـ بعد فيلم »أيام السادات« لمحمد خان الذي اطلعت فيه جيهان السادات وعائلة السادات على السيناريو، ولنتجاهل كون المؤلف يسري الجندي ناصريّ الهوى، ولنرمِ كل الأحكام المسبقة عن كون المسلسل سيقدم دراما سيرة بشخصية طاهرة طهارة الملائكة. ولنكن حسان النوايا ولنصدِّق تصريحات الكاتب يسري الجندي من أنه سيقدم سيرة ناصر »بموضوعية تامة« (»المصري اليوم« 16 آب المنصرم). سنفعل كل هذا، لكنّ أغنية المسلسل ستطيح بصدقية تصريحات الجندي، وصنّاع »ناصر« يرتكبون خطأ قاتلاً سيتكرر في مقدمة وختام كل حلقة: أغنيتيْ المقدمة والخاتمة.
تخيِّب كلمات أغنية »ناصر« الآمال بدراما سيرة تتفادى أخطاء التجارب السابقة من النمط الدرامي ذاته. فالمغني وائل جسّار يغني في جينريك مقدمة المسلسل التي كتبها إبراهيم عبد الفتاح ولحنها رضوان نصري: »زي النهار يا فتى / واحنا اللي ليلنا طال / جايي في أوان جرحنا / والشدة ليها رجال«. تستدر الخطابة نفساً ذكورياً وتستخدم »نا« الجماعة. ببضع كلمات، يُطاح مجهود يُبذَل في تقديم دراما سياسية لمصلحة خطابة مغنّاة تجنح إلى حدّ مخاطبة القائد باسمه في نهاية المقطع التالي: »إنت اللي من حلمنا/ وجرحنا يا جمال«، ويستمر هذا الأسلوب في أغنية الختام التي توضح شيئاً تم إثباته سابقاً في أغنية المقدمة: »مكانك في القلوب يا جمال/ ولا كل من ركب الحصان/ يبقى يا بشر.. خيّال!«.
في لحظة، يخيَّل للمشاهد ـ المستمِع أنه إزاء أغنية »يا جمال يا حبيب الملايين« لعبد الحليم حافظ!
كان الأجدى لصنّاع المسلسل الاكتفاء بالموسيقى في مقدمة وختام الحلقات، أو إعداد أغنية تتحدّث عن البلد بدل القائد. هذا ما فعله حاتم علي عندما اختار مع ملحن مقدمة »الملك فاروق« مَوْسَقة شعرٍ كتبه بيرم التونسي. فدراما السير وبخاصة السياسية منها تبتغي في الأصل إثارة نقاش ما، وهذا النقاش لا يأتي إلا من مقدرة الدراما على تقديم وجهات نظر مختلفة أو مضمون يكون حمّال أوجه، أو يتعدّى على ما أثبته مرور الزمن والدراما السابقة التي تطرقت إلى الموضوع نفسه، والأغنية ـ البيان أعلاه لا تساعد في إثارة نقاش كهذا على الإطلاق، فهي تستبق النقاش المفترض لتوضِّح، ولتضع الأمور في نصابها!
يبدو »ناصر« مسلسل سيرة آخر، سيقدم دراما مُحبة أخرى للشخصية الرئيسية المُنتقاة، أماالمستوى التقني للمسلسل وجمالية الصورة فيه، وأداء الممثلين، ففيها حديث آخر، بعد انتهاء عرض المسلسل.

نُشِرَ في صوت وصورة في جريدة السفير في 8 أيلول 2008