زيارة إلى عالم المدوّنين العرب

نُشر في August 20, 2008

Share Button

بنقرات بسيطة، يصبح الفرد مدوناً. يدخل إلى موقع متخصص كـ»بلوغر« أو »وورد برس« أو »مكتوب« أو خلافه، ينشئ حساباً، ينتقي اسماً لمدونته وآخر له، ويبدأ التدوين.

لكن، ما الذي يدفع الواحد منا لفعل ذلك؟ ما الذي يجعله يحضر كوب شاي، يجلس إلى كرسيه، ينظر إلى الشاشة، ويعزم أن ينشئَ صفحة خاصة به؟ ما الذي يدفع به إلى إخراج ما في دفتر يومياته المقفل إلى العالم الافتراضي وجعله مشرَّعاً أمام القراء؟ هل هو السأم؟ هل هي الرغبة بمظهرة اختلاف وتميُّز مع التخفي وراء أسماء مستعارة؟ ولِمَ يملك مدون أول الجرأة على الإفصاح عن هويته فيما يبقي ثانٍ هويته مجهولة؟

تلك أسئلة تحكمها إجابات فردية تأبى التعميم، فأكثر صفتين تلازمان التدوين هما العفوية والفردية.

تبدو المنتديات كشوارع صاخبة يتعالى منها الكلام العالي وقد ملّها كثر، في حين تظهر المدونات أشبه بصالونات يحدد صاحب الصالون فيها قوانين الاستضافة. فيها صور استقبالية وعناوين مدونات صديقة وتعليقات بعضها أشبه بمجاملات، لكنها تصل في مطارح أخرى إلى حدود النقاشات الحادة المتفلتة من قوانين تحكم الإعلام على أنواعه أو حتى المجتمع.

قلنا سنكتب عنهم، ثم توقفنا واستدركنا: ألم نسأم بعد من الكتابة عن أناس يكتبون؟ ألم نمل من التعامل معهم كمادة وفئران تجارب ونضاليين سيغيرون الدنيا بـ»فقسات« على لوحات المفاتيح؟ صحيح أن بعضهم اختار أن يكون ناشطاً اجتماعياً أو سياسياً عبر صفحته، لكن لماذا ما زلنا نتعامل معهم بإعجاب ودهشة فيما هم يقومون بما يحبون إليه، يوميات كانت أو أعمالا ناشطة، بهدوء؟ لماذا نفرض عليهم مثل ذلك الصخب والنظرة الفوقية والمتابعة المحكومة بشروط؟

لهذا، عدلنا عن الفكرة، وحددنا الكتابة »عنهم« بدراسة أكاديمية واحدة تفصح قوانين العالم الذي يضيق حول هؤلاء المدونين، وهي دراسة تلاحق بعض الأمثلة، مما قد يطرح بالضرورة أسئلة عن مستقبل العالم في ظل هذه »القوننة« المتمادية.

وارتأينا ـ في غالب المنشور هنا ـ أن ندعهم هم يكتبون، وبالطريقة التي يدونون بها. طلبنا منهم أن يكتبوا الملحق بأنفسهم، وتوقعنا أن يرفدونا بكتابة بديلة تجتاز ملل العادة، لأنها غير محكومة براتب أو بعمل أو بصنعة أو بتكنيك أو بخبرة فقدت بكارتها.

كتبوا يوميات مخيم استغرب الفرح وشظايا روح مفرَّغة في نصوص قصيرة، وجنحوا حد كتابة سخرية شارعٍ لا تنتهي، وعبّروا عن توقهم إلى سينما بديلة أبعد ما تكون عن »القرمشة«. بعضهم حتى دوَّن ضروباً من الهلاوس الاجتماعية التي تصبح قوانين لا يُتـَخَلّى عنها وقصَّ »زنبطةَ« فتاة تأبى أن تمشيَ مع التيار السائد.

لكنّ عالم التدوين لا يتوقف عند الكتابة. كان لا بد من تعبيرات مرئية لتزنِّر ما كُتِب، فأتانا بعضهم بصور التقطوها أو غرافيك صنعوه، لن تنيَ تستحضرها الذاكرة والحاضر، مهما عمَّرت.

هم ليسوا بأفراد استثنائيين. هم فقط أفراد عاديون يستعيدون يومياتهم وخيالاتهم على شاشة وصفحة خاصة مشرعة للزوار.

هنا كتابات وصور من مصر والأردن والسودان ولبنان وفلسطين. حاولنا من خلالها قدر الإمكان أن نتيح الفرصة لمدونين بطبائع مختلفة من بلدان عديدة: سينما، تدوين روائي أدبي، يوميات، ذكريات، غرافيكا، فوتوغرافيا، سخرية شارع.

خلال مرحلة الانتقاء، ظهرت أمامنا عوائق عدة كالطابع المغرق في المحلية لبعض المدونات، وعائق آخر أهم هو اللغة. ففي لبنان مثلاً، وبعد فورة كتابات حرب تموز، همدت الحركة التدوينية وباتت تقتصر على المدونات السياسية التي لا تزيد عن كونها إعادة لأخبار التلفزيونات. والمدونات اللبنانية ـ حتى في طفرتها خلال حرب تموز ،2006 كانت إنكليزية اللغة. وبعد توقف الحرب، استمرت ـ كما بدأ معظمها ـ باللغتين الإنكليزية والفرنسية لأسباب ثقافية واجتماعية على الأرجح. واجهنا الأمر ذاته خلال بحثنا عن مدونين من المغرب العربي يدونون بالعربية، وهم قلائل جداً، فلم نعثر عما يناسب الملحق.

وفيما تبدو معظم مدونات الخليج ناقدة لبعض مواد الإعلام بطابع إما ليبرالي أو إسلامي التوجه، أو مغرقة في محليتها، شكلت مصر وفلسطين الرافد الأكبر لنا. وجدنا أعدادا مهولة من المدونات المصرية، وعدداً أقل فلسطينية، لكنها كلها تتشح بطابع إبداعي لافت، جعلنا نحتار فعلياً لدى انتقاء المواد، نظراً لمحدودية المساحة.

هنا، بعض تدوينات لا تعكس بالضرورة مجمل عالم التدوين العربي، خصَّ قسم أول من المدونين »ملحق شباب« بها، فيما انتقى القسم الآخر أحب ما كتبوه وما رسموه وما صوّروه.

فلنتخيل هذه اليوميات والصور والغرافيك باقية على خارطة العالم الافتراضي، بعد سنة أو خمس أو عشر. فلنتخيلها باقية هناك، يكتشفها أحدٌ لم يعرف بها لحظة تدوينها. فلنتخيَّل هذه اليوميات لا تبرح أمكنتها، مؤرِّخةً لجيل آتٍ. ولتجنح بنا الرؤية لنرى روائيين مستقبليين يسرقون ما فيها من تفاصيل حقيقية ليكتبوا قصصاً عن أشياء فاتتهم رؤيتها، وأتيحت لهم فرصة القراءة عنها في ثنايا هذه الفقاعة الالكترونية.

المستقبل لأشياء نستسخفها الآن، ونحطّ من قدرها.

هنا، تجدون ما قد نفتقده في أيام مقبلة: بساطة التفاصيل.

نُشِرَ في شباب السفير في 20 آب 2008


2008 08 20