أعرف الكاتب أحمد ناجي منذ ما يقارب العشرة أعوام. كان ناجي بوابتي الأولى لمعرفة القاهرة وأهلها. نزهتي الأولى في وسط البلد كان معه. لقد مرَّت دورة كاملة منذ تلك الزيارة. عقدٌ كامل بدأ بحركة كفاية، مرورًا بالثورة المصرية وصولًا لمصر المجلس العسكري، ومن ثمَّ مصر الإخوان، وانتهاءً بمصر السيسي. قبل نزولي القاهرة، تحادثنا وتعاركنا وتحادثنا على مدوَّنته ومدوَّنتي وفي الإيميلات. هناك من العراكات بيننا ما يصعب حصرها بيننا كمجموعة كانت تكتب في فضاء الإنترنت العام آنذاك: الإسلام، الحركات المسلَّحة، القضيَّة الفلسطينيَّة، الغرب، إلى آخر المواضيع القليلة التي تحدَّد الحديث فيها قبل العام ٢٠١١. أنا آتي من إرث عروبي وقومي أحاول الخروج منه بتأنٍ وبلا ردَّات فعل متطرّفة، وهو ينطلق من مصر مبارك التي لا أعرف عنها كثيرًا، فأحصرها في عالم [&hellip
المزيد...شهدَت الأيام القليلة الماضية محاولات السلطات اللبنانية طمر الفراغ، بعدما حضر مجددًا في رأس “الدولة” وعليه، مع امتناع إحدى مؤسّساتها الخاصة عن ستر النفايات، بوصفها شكلًا من أشكاله، لتحتلّ القمامة البلد، ويتوزّع المكبوت أمام الأعين، ويبين اللامرئي مرئياً، ويصير نظام التخلّص والطمر معطلاً. انهارَت النظافة، ومعه الجسد الذي تنتجه، وربما لأنها تنتجه، قرف الجسد وانقبض. لكنّ موت الجسد محظور، فالسلطات لا تريد وقايته، لأنها تود الإبقاء على خوفه لتحكمه. والوقت المحكوم بالعوامل الطبيعية يساعد في تمكين مثل هذه السيطرة على أجساد لم تنقبض بعد. الفراغ حيّ في لاوعي السلطات، فهو يظهر مع انكشاف حدود علاقاتها ببعضها، مدفوعًا إلى حده الأقصى بسبب فراغ موقع سلطة ما فوق السلطات وفيها. وتحت محاولات التحكم به، لا تريد السلطات أن تفعل شيئًا، لأنها ببساطة [&hellip
المزيد...المدينة صفراء، قلتُ ناظرًا إلى الصوَر. وتذكرتُ ملصقًا مخزقًا لمسرحية بالقرب من مسرح أغلق. كان اسم المسرحية: “بيروت صفرا”. لم أشاهد المسرحيّة. وكنتُ وقتها بعيدًا عن هذا “الجو”. أخذتني سنوات كثيرة حتى أعرف ماذا أفعل. وهذه على الأرجح سمة في مدن تغلق مسارحها وأماكنها العامة واحدًا إثر آخر، وتدفعك للرحيل: أن لا تعرف، وأن ترحل لكي تعرف. كيف يكتب أحدنا عن المكان؟ وكيف نكتب عن أنفسنا؟ وكيف نصير المكان ويصيرنا؟ لا أسئلة جديدة هنا، والكلام عن هذه الأشياء يبدو قد نفد. خلّصه كثيرون ممّن كتبوا وسطّحوا. وفي خضمّ طرح المعاد، يبدو في لحظة أنّ كل شيء مقلوب، وأننا قلبناه فجأة وصرنا نسلك إلى باطنه، وكلّما تقدّمنا تفاجأنا بما لم نتوقعه، أو بما توقعناه ولكنّنا لم نتوقعه على هذا النحو بالفعل. [&hellip
المزيد...يفضح الخلاف المستعر بين القنوات التلفزيونية اللبنانية وموزعي الكابل، التهالك العام الذي أصاب الإعلام التلفزيوني المحلي. فبتحييد نقاش الملكية الفكرية الذي تتسلّح به القنوات (وهو نقاش لا يجب أن يكون مقدسًا، وليس مفهومًا إسباغ القدسية عليه في ظل نقاشات عالمية ليست جديدة حوله)، يجد المتابع نفسه إزاء تأميم خجول لتجربة المشاهدة من قبل قنوات التلفزيون الخاصة نفسها، في محاولة منها لاستنساخ ما يمكن تسميته بـ”تلفزيون الشعب”. فالمشاهد اللبناني سيدفع للقنوات الخاصة (وتلفزيونه الرسمي؟) التي لا تفصح له عن أرباحها ولن يحصّل منها شيئًا. إنه مدفوع لتلبية نداء الواجب الإعلامي/الوطني ليحول دون انهيار مشروع الاعلام التلفزيوني اللبناني، بلا حقوق تذكَر. منحى الخلاف هذا، يعيد إلى الأذهان نشأة المحطات التلفزيونية الخاصة نفسها التي تُشابه نشأة شركات موزعي الكابل. والفرق بين النشأتين، أن القنوات [&hellip
المزيد...كان يمكن لغناء إليسا نشيد “موطني” (إبراهيم طوقان – محمد فليفل) أن يمرّ مرور الكرام لولا أن الفنانة أعلنَت أكثر من مرة قربها السياسي من حزب “القوات اللبنانية” وزيارتها لرئيسه. هنا مكمن الجدل. لا في نطق المغنيّة المخفّف لحرف الطاء، أو أخطائها في الكلمات وتشكيلها، أو المستوى الفني للنسخة التجارية من النشيد (والذي يزكّي لحنه، أصلاً، المزاج التعبوي المرتبط غالباً بهذا النوع من الأناشيد). بأي حال، ليست هذه النسخة المخفّفة الوحيدة من النشيد. في “يوتيوب” وحده أكثر من نسخة، واستخداماته تتعدّد بين الأناشيد الحزبيّة وإعلانات كرة القدم والمغنين الشباب وكورالات المدارس. لكنّ ردّ الفعل على غناء إليسا انطلق من مغالطة أساسية، وهي التعامل مع نشيد فلسطيني سابق، وليس مع ما أصبح النشيد الوطني لدولة العراق في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي. ليس هذا ذمّاً [&hellip
المزيد...ملاحظة: هذه القراءة قد تحتوي، في بعض تفاصيلها، على مفسِدات فرجة معاكسًا لمناخ البهجة الوطنية المصرية الحالي، يأتي فيلم “فرش وغطا”، التجربة الروائية الثالثة للمخرج المصري أحمد عبد الله السيد، بعد “هليوبوليس” (٢٠٠٩)، و“ميكروفون” (٢٠١١). ففيما عرض “هليوبوليس” المزاج الاكتئابي المرافق لترهل دولة يوليو في أطوارها الثلاث التي أفضت (من ضمن ما أفضت) لوحدة وهرب الأقليات وتشوّه العمارة وتعاظم حلم الهجرة، جاء “ميكروفون” الذي، للصدفة، طُرِح حينها في الصالات المصرية عشية الثورة، أكثر تفاؤلًا، مقدمًا بيئة شبابية موسيقية متمردة على مؤسسات الثقافة المصرية، ومبشرًا بمزاج اعتراضي شبابي تصدّر الصورة العامة للثورة المصرية. وإذ تشارك الفيلمان الأولان لعبد الله في رواية قصص “الحب الفاشل” بالتوازي مع باقي التفاصيل في ثنايا الحبكة الفيلمية، فإنهما انتهيا أيضًا إلى النهاية الخافتة السلبية نفسها، الأول [&hellip
المزيد...أخيرًا، طرح الفريق الموسيقي اللبناني “مشروع ليلى” أسطوانته الثالثة “رقصوك”، بفارق عامين عن أسطوانته الثانية “الحل رومانسي”. جاء ذلك بعد فترة من التأخير لم تعرف مسبّباته، قبل أن يقوم الفريق بدعوة مستمعيه إلى دعمه ماديًا على موقع Zoomal لإصدار الأسطوانة وتمويل الحملات الإعلاميّة اللاحقة وأشرطة الفيديو المصاحبة لهذا المشروع. لبّى متابعو الفريق النّداء، فموّلوا مشروع فرقتهم، ليصبح بذلك، من أوائل المشاريع العربيّة التي تموّل جماعيّاً، وعلى هذا النحو. لم يكن توقيت طرح الأسطوانة أكثر مؤاتية من الوقت الحالي. فوسط أحداث مشحونة من مصر لسورية للبنان، طرحت الأغنية العاشرة في الأسطوانة “ونعيد ونعيد ونعيد” التي بدت كاستعادة جديدة للعنة سيزيف الأبدية، وجاءت متّسقةً مع هذه الظروف المحيطة. إنها الأغنية التي تحكي عن جماعة غير واضحة المعالم، ملعونة بلعنة المجابهة المستمرّة في محيط محكوم بجنون لا يكاد [&hellip
المزيد...بقي من قصّة سيزيف، الذي خدع إله الموت، لعنة كبير الآلهة الشهيرة: أن يبقى يحمل الصخرة حتى أعلى الجبل قبل أن تتدحرج منه، ليعود يحملها ويصعد الجبل لتتدحرج منه ثانيةً ويلحقها من جديد. تستعاد هذه اللعنة مع أغنية “مشروع ليلى” الجديدة: “ونعيد ونعيد ونعيد” التي أطلقها الفريق بعد نجاحهم في تجميع المال من مستمعيهم على الويب لإنتاج وتوزيع أسطوانتهم الجديدة “رقّصوك” (تجربتهم هذه، ومضمون حملتهم الإعلامية #OccupyArabPop يحتاجان مقالة منفردة). وُضِعَت الأغنية على صفحة الفريق على الفيسبوك بعد دقائق من انفجار الرويس في بيروت، وبعد أيام قليلة على المقتلة الدائرة في مصر، لتبدو أشبه بالأغنية الخلفية للجنون الدائر، المعروف مرتكبيه في حالة حالة مصر، والمجهّل مرتكبه حتى الآن في حالة لبنان. تركّز الأغنية على التكرار الثابت، مستعيدة عذاب سيزيف الأبدي. لكنّها لا تقف عند [&hellip
المزيد...عاد أسامة أنور عكاشة بعد رحيله. لكن عودته كانت مختلفة عن كل ما حققه من مسلسلات. على الأقل، في الموضوع. فمسلسل “موجة حارة”* الذي حققت معالجته الدرامية السيناريست مريم نعوم بمشاركة أربعة كتّاب حوار شباب، والمستند إلى رواية كتبها عكاشة في أوائل الألفية (منخفض الهند الموسمي) يعالج موضوعًا “غير عائلي”، الأمر الذي كان يحرص عكاشة على الابتعاد عنه في أعماله التلفزيونية، بعكس أعماله السينمائية. ففي أعماله التلفزيونية لن نرى مشاهد متطرفة لخيانة وتعاطي مخدرات، كما في فيلمه “الهجامة” مثلًا، المنفّذ عام 1992. وفيما عدا جلسات الحشيش التي كان يشوبها الطابع “الكوميدي” في مسلسلاته، ما من تفاصيل تخطت هذه الحدود الرقابية. ليس معروفًا إن كان هذا الابتعاد قرارًا ذاتيًا من عكاشة أو تقيدًا بمنظومة رقابية رسمية آنذاك، لكننا نعلم أن اسمه [&hellip
المزيد...