بْلا بْلا بْلا

نُشر في November 11, 2009

Share Button

لا تعرفين ماذا حدث تلك الليلة؟
كنّا نشاهد فيلماً عربياً، والأضواء مطفأة. صنعنا بوشاراً من ذلك الذي يحضَّر سريعاً وتنتفخ أكياسه في دقائق في المايكرووايف، ثمّ جلسنا على الكنبة. لا. أحدنا كان على الكنبة والآخر كان مضطجعاً على الأرض تحت، مسنداً جسده إلى قدمي الآخر. لستُ أكيداً مَنْ منا كان تحت، ومَنْ منا كان فوق (أو لا أريد أن أتذكر).
قبل جلوسنا، كنا قد نظَّمنا الكتب في المكتبة التي تحجب عنّا لون الحائط، بحسب التسلسل الألفبائي لأسماء كتّابها (ما تبقى من لون الحائط يشي بعمر الشقة). فتحنا الكتب وأخذنا نستعيد الإهداءات والخطوط التي خطّيناها بالقلم الرصاص تحت بعض العبارات. كنا نستحضر تاريخاً بسرعة فائقة، وبمشاعر مضطربة (well، مشاعري أنا كانت مضطربة، dear!). كان هناك شيء غير مفهوم، وكنتُ صامتاً، وكنتِ صامتة، أغلب الوقت. لا يمكن أن تحسبي القهقهات والحركات والابتسامات، ولا بعض الجمل القليلة التي قلناها، كلاماً. كانت تصل الصمت ببعضه. تفهمين قصدي. كأننا كنا نتجنَّب البْلا بْلا بْلا، بعكس قصة «الجمع والمفرد»، لألبرتو مورافيا. الزوجة تحسب حقائق زوجها بْلا بْلا بْلا، وهي بدورها تفتش عن سخافات من دونها لن تصبح الأمور طبيعية. كانت تصف كلامه بالبْلا بْلا بْلا، وهي ذاتها تحاول إضافة البْلا بْلا بْلا إلى حياتهما سوياً.
في الفيلم الشاهيني أمامنا على الشاشة، قتل أفراد العائلة بعضهم بالأسلحة الرشاشة، وسالت دماؤهم في قنوات المياه، فيما الفتى هرب من شباك المبنى (ملصق الفيلم وجدته في موقع السينما على الانترنت، وفوجئت أنه يحوي عبارة تعريفية تذيِّل عنوانه. العبارة كانت: «المأساة الموسيقية». هل لكِ أن تشرحي لي معنى «المأساة الموسيقية؟). نحن كنا نقهقه، ونضحك ونبتسم، ونصمت. هكذا بتتالي المستويات: قهقهة، ضحك، ابتسامات، صمت. صرّة تنكات الجعة الخضراء الكرتونية فرغت شيئاً فشيئاً. كنتُ أنا أرمي التنكات الخضراء على موكيت الغرفة، بعد أن أجعلكها بيدي، ومن غير أن آبه للدم السائل من باطن كفي. فجأة، لاحظتُ أننا شربنا سبع تنكات من الجعّة. أنا شربت أربعا وأنتِ ثلاثا (أو العكس). (هل تحوي صرّة الجعة أكثر من ست تنكات؟ هل استهلكنا صرّتين؟) وفجأة أيضاً، ثقل رأسانا فصعد أحدنا إلى الكنبة ونمنا رأساً على كتف، رأساً على كنبة.
سبع تنكات، ولم نقرب الثامنة، وطرّاحة الكنبة ابتلّت ـ كما ثيابي ـ بدم باطن كفي.
أنتِ تقولين إنَّكِ لا تعرفين لِمَ فعلنا ما فعلناه تلك الليلة، ولِمَ لمْ نفعل ما اعتدنا فعله أيام الملل. (btw، ماذا نفعل نحن لحظات الملل؟ نسيت. ذكِّريني.) لا تجيبين، وتستنفدين التحليلات المقنعة لتهربي. اسمعي نظريتي إذاً: أظن أننا كنا نحتفل بموت أحدهم، وأننا كنا نثقل رأسينا (بعكس ما ظننّا من خفّة) باللا شيء أو بالكثير من الأشياء.
لا تنظري إليّ هكذا مستغربة. اللا شيء والكثير من الأشياء لا يتعارضان. الدرب توصل في نهايتها للطاحون، hence: بْلا. بْلا.. بْلا!

نُشِرَ في شباب السفير في 11 تشرين الثاني 2009