أحتفي ببطءِ ما يحدث

نُشر في April 29, 2009

Share Button

2009 04 29

 

لا شيء غير “فريندز”
يلحق قطرات المطر على الشباك بإصبعه من الداخل. يبتسم وحده. ترتسم ابتسامته على الزجاج أمامه. تلفّه متعة زائدة. يعود إلى فراغه المرتسم بلهاً على وجهه. لا شيء. لا شيء، والكثير من كل شيء. تطنّ  في ذاكرته أغنية مغرقة في القدم لكارم محمود. “عنابي، ترا، يا عنابي، ترا، يا خدود الحلييييوة”. يــجبر ذاكرته على التوقف فيفتح باب البراد. لا تضيء اللمبة داخله. يغلقه، ويعود فيفتحه. (الآن، يذكره الضوء في الداخل بمشهد في فيلم ديني تعرضه قنــوات التلفاز أوقات الأعياد). ينظر إلى رفوف البراد، فيجد طعاماً نسيه منذ مدة. يهيّأ له أن طبقةً خضراء استولت على سطحه. يدعه هناك رغم رائحته النفاذة، ثم يغلق البراد. يفتح خزائن المطبخ العلوية. لا شيء. يحتاج للتبضّع، يفكر. في ما بعد، يضيف إلى جملته هذه في رأسه. يعود إلى قطرات الماء. يلحق قطرة أخرى بعينيه. تذبل عيناه. يفركهما وينهض متحركاً في الغرفة قليلاً ليطرد النعاس. يفتح التلفاز ولا شيء غير “فريندز”. حلقة، حلقتان، ثلاث. يطفئ التلفاز. يفتح خزانة الملابس. ينظر للحظات ثم يعود إلى السرير. يحتضن مخدته البنية. ينظر إلى السقف، ثم إلى الشاشة. يطبع “إيميلاً”. يتصنع عدم الوجود لمن ظهر على “الماسنجر”. “عنابي يا عنابي يا خدود الحليوة”. لا سبب محددا لطنين تلك الأغنية بالتحديد. لا سبب.

يعود إلى قطرات الماء على النــافذة. تكمل الرتابة التي لم يقطعها إلا هاجــسه (غــير الجديد) بتلك الأغنـية. يتصور “الكمنــجات” تحلق تحت الثريا تعزفها. وفي لحظة واحدة (لا أكثر)، تصفق ريح الخارج عصفوراً بالشباك ذي القطرات المنسابة فيقع مـيتاً على الحافة الخارجية.

يلمس بيديه الشباك العرقان. ينظر إلى الجسد الهامد. “عنابي يا عنابي يا خدود الحليوة”.

بطء
أنتَ لا تفهم. عندمـا نظرتُ إليهــا في المرة الأولى، لم ينبض قلبي فوق العادة ولم أحس بجفاف حلق مفاجئ. لا. لا. لم أشعر بأي شيء من هذا. فقط أحسَسْتُ أنه يجب عليَّ أن أنظر إليها وأبتسم.
لا تندهِش لمّا أصرِّح لك بهذا. لم أقل لكَ شيئاً غير طبيعي أو استثنائي. العالم لا يتوقف لدى رؤيتي لها. بالطبع لا. إنه فقط يتباطأ. ينضج أكثر بتفاصيله. ولحظة النضج، ولبطءِ اللحظة، أستطيع عندها أن أتفادى وقوع القهوة المنسابة من الكوب على الأرض، فأحمل كوباً آخر تحت السائل المعلَّق في الهواء كي يســقط فيه. وأستطيع أيضاً أن أصفع الذبابة بالجناحين الرقيقين بطيئي الحركة، وأن أجعلها ترتطم بالحائط، منتقماً من كل ضحاياها البشر الضعفاء أمام صغرها. (هل سمعت ذبابةً تصرخ؟ لا تفوّت صوتاً كهذا مرة أخرى. أرجوك). ثم إن بإمكاني عندها رؤية الثغر يتَّسع رويداً رويداًً، فأتعرّف على الفرق بين الابتسامة المتحفظة وتلك المتسعة، وبين الابتسامة المتسعة والضحكة الصامتة، وبين الضحكة الصامتة وتلك التي يرافقها صوت.
أنتَ لا تفهمني. أنا فقط أحتفي ببطءِ ما يحدث.

تدور
. . . . …. يقول لها إنه يحبها فتسأله أن يؤجّلَ الموضوع حتى عودته من الخارج يومئ بنفسه لنفسه ويعقـِّب بطبعاً ويُحبَط في وحدته والأنكى أنه لا يعرف في تلك اللحظة إن كانت تبتسم أم تبكي أم تصمت لا يعرف حتى إن كانت تعرف كيفية استخدام أدوات الوقف في أمكنتها المناسبة فهو يعاني معها ربما لأنه لم يلتقط أنفاسه في فترة فاصلة طوال حياته القصيرة ثم يعودان فيتحدّثان وكأنّ شيئاً لم يكن ويتكلمان في التفاهات والقضايا المصيريّة ويتشاجران على قضايا أسخف هل يمكن وصفها بالقضايا أصلاً إن هذا لسخف حقاً ثم يقفزان فوق التـفاهات الآنفة الذكر ولما يدغدغ هو ما تم وضعه في الاحتياط لديها تبتسم وتقول له أن يتـوقف وتتهمه بأنه يفسر الأشياء بمزاجه الخاص فيصمت للحظات قبل العودة لأشيائه الصغيرة في محاولة فاشلة أخرى منه ثمَّ يقول لها إنه يحبها فتسأله أن يؤجلَ الموضوع حتى عودته من الخارج يومئ بنفسه لنفسه ويعقـِّب بطبعاً ويُحبَط في وحدته… ..  . . . .

نُشِرَ في شباب السفير في 4 نيسان 2009