نابوليتانا
نُشر في December 6, 2010
نبذة:
ملقىً في غرفته الصغيرة تحت بقعة رطوبة لا تكبر ولا تتحرك، يستيقظ هيثم مضطرباً، شاعراً بآلام في أنحاء جسده، ناسياً ما حدث البارحة. الشاب العشريني الذي يخجل من نحول ساقيه، ويرى أحلاماً غامضة، سيتورط في علاقات غريبة، ويمشي أرصفة بيروت. سيقتفي أثر جهاد في نيويورك الذي يدوّن حياته على الانترنت، فيقرأ قصصه، ويكتب له الرسائل، ثم يملأ الفراغ في رأسه خالطاً بين الواقع والخيال.
أين هو؟ هل هو حقيقة أم افتراض؟ خارج الشاشة أم.. داخلها؟
وكيل نابوليتانا الأدبي: رايا – Raya Agency for Arabic Literature.
دار النشر: دار الآداب
عدد الصفحات: 153
تصميم الغلاف: حامد سنّو
سنة النشر: 2010
صفحة نابوليتانا على فايسبوك، هنا.
صفحة نابوليتانا على غودريدز، هنا.
عن نابوليتانا في التلفزيون:
كُتِبَ عن نابوليتانا في الصحافة:
1- زينب مرعي في جريدة الأخبار (العدد ١٣١٤ الجمعة ١٤ كانون الثاني ٢٠١٠): لعبة الاحتمالات؟
رواية هلال شومان (1982) الثانية مفتوحة على الكثير من الاحتمالات. ليست «الاحتمالات» التي اختارها البطل هيثم موضوعاً لأطروحته في علم الرياضيات، بل احتمالات من نوع آخر، تطال حياته ويومياته، في عالم ينصهر فيه الواقع بالخيال، حتى يصير من المستحيل تبيان الخيوط الفاصلة بينهما. يتخطّى شومان في «نابوليتانا» (دار الآداب) الأخطاء التي تشوب الروايات الأولى «ما رواه النوم» ( دار ملامح ـــــ 2008). يبتعد عن عالم الكتابة الصحافيّة والتدوين، ليخطو خطوات أكثر ثباتاً في عالم الأدب. العمل هو إحدى ثمار محترف «كيف تكتب راوية» الذي أدارته الروائية اللبنانية نجوى بركات العام الماضي. يقتصد هلال شومان في سرد التفاصيل المحيطة بشخصيته الرئيسية. اقتصاد يبدو مبرراً في كون هيثم شاباً عشرينياً انطوائياً.
لا يضع شومان هيثم في إطار عائلي، حتى إنّه لا يخلق له ماضياً أبعد من ذلك الذي عرف فيه «فتاة النابوليتانا». يرفض أن يذكر اسم صديقته القديمة التي صار يكتفي بمراقبتها مع زوجها وطفلها عبر واجهة مطعم «نابوليتانا». يقطع الطريق على سيل الحكايات الممكنة عن ماضي البطل. يبدو هيثم كأنّه بلا ذاكرة. في مطلع الرواية، يستيقظ وهو يعاني من آثار ثمالة، مع جرح في خدّه، ورسالة هاتفيّة من رقم لا يعرفه، ينبّئآنه بأنّ شيئاً ما حدث في ليلة الجمعة، تقوده خيوط تلك الليلة إلى يمنى، امرأة في مطلع الأربعين، تملأ له فجوات ذاكرته، وتنشأ بينهما علاقة جنسيّة بالدرجة الأولى.
لا نعرف عن الشاب أكثر ما يبدو أنّه يعرفه عن نفسه. هيثم يُعدّ لأطروحة الدراسات العليا في الرياضيّات، وهو يعمل أثناء ذلك في مكتبة «يافث» الجامعيّة، ويسكن وحيداً في شقّة في شارع الحمرا. لا أصدقاء له سوى أمل وهاني، وآخر افتراضي، هو جهاد، يتابع مدوّنته عبر الإنترنت. يستعمل هلال انطوائيّة هيثم ووحدته منفذاً إلى عالم الخيال، وإلى اختلاط الأمور في رأس الشاب. هيثم يربط دوماً العالم الخارجي بالمجلّات المصوّرة والأفلام، كأنّه يقوم بعمليّة الإخراج في رأسه. يقطّع المشاهد، واضعاً يمنى في الكادر الذي يريده، ويتخيّل حواراً بينهما، تتحدث فيه عن ماضيها، ليبرّر لنفسه بعدها بعضاً من تصرّفاتها. لكن تصرّفات هيثم نفسه تأخذ بالتغيّر بعد متابعته مدوّنة جهاد، إذ إنّ جهاد على عكس هيثم قادر على التعبير عن مشاعره. مثلاً، ها هو ينشر على المدوّنة لائحة خطوات للانتقام من صديقته القديمة.
تتسرّب أساليب جهاد إلى ذهن هيثم، فيجد نفسه أكثر قدرة على المواجهة. ينتقل من كونه «صبياً» لا يخيف أحداً ـــــ كما تحبّ أمل ويمنى تذكيره دوماً ـــــ إلى إنسان يريد محو هذه الصبغة عنه، وبأي طريقة ممكنة. هكذا يدخل مقهى الـ«نابوليتانا»، ويجلس إلى الطاولة المواجهة لصديقته السابقة وزوجها، ويعبّر لأمل عن حبّه لها، رغم أنّها حبيبة صديقه هاني. لاحقاً، «يغتصب» يمنى، بعدما انفجرت الأخيرة بنوبة غضب في وجهه.
في روايته الثانية، لا يحوك هلال أحداثاً كبيرة. يعمل على خلق واقع نفسي للشخصية لتكون أهم من الأحداث نفسها. فهل جهاد فعلاً موجود؟ إذ تختفي مدوّنته فجأة. من حرّض هيثم إذاً؟ هل هناك شيء يحدث أصلاً خارج غرفته؟ تبدو الرواية كلّها قائمة على الاحتمالات. احتمال ما حدث ليلة الجمعة، احتمال قراءة مدوّنة جهاد، واحتمال وجود كلّ من يمنى وأمل وهاني.
***
2- كاتيا الطويل في جريدة الحياة (عدد 23- 04-2011): عالم الشباب الضائع رواية في «نابوليتانا»
«قدّر هيثم أنّ القطّ يعرف، في قرارة نفسه، أنّه لا يستطيع أن يلتقط هدفه، لكنّه يُتابع القفز على رغم معرفته تلك، وفكّر أنّه غباءٌ غير مفهومٍ…» (صفحة 100). تبرز هذه الجملة المأخوذة من رواية «نابوليتانا» للكاتب هلال شومان في نصٍّ يتعدّى كونه روايةً حديثة تدور حول حياة هيثم الشاب العشريني، ليتحوّل إلى نظرة شباب اليوم إلى عالمٍ لا يعرفون مكاناً لهم فيه، عالمٍ اختلطَت فيه العلاقات والطبقات والأعمار.
ويقدّم هلال شومان وهو لبناني الأصل عمله الثاني «نابوليتانا» (دار الآداب) بعد عمله الأوّل «ما رواه النوم» الذي صدر عام 2008. وهلال الشاب العشريني يكتب عن طالبٍ عشريني أيضاً يدرس في الجامعة الأميركيّة في بيروت، ومن هنا السهولة في الوصف وواقعيّته. ويمرّ هيثم (بطل هذه الرواية) بسلسلة أحداثٍ تؤثّر في شخصيّته ورؤيته الأمور فيخرج في النهاية إنساناً يحمل ندوباً جديدةً تنتظر الاندمال.
تنقسم هذه الرواية إلى ثلاثة عشر فصلاً مرقّمة بالتسلسل من دون أن تكون معنونة. وتبدأ الرواية بإهداءٍ لافت هو إلى صديقٍ له كتب اسمه باللغة اللاتينيّة: «إلى jij»، وهو إضافة إلى ذلك عندما يعرّف بصديقه يضع كلمة «صديق» و «حياة» بين هلالين. وبعد قراءة الرواية يجوز اعتبار «جيجي» مُصغّراً لاسم جهاد وهو شخصيّة أثّرَت بالغ التأثير في هيثم البطل وكانت المحرّك لعددٍ من تصرّفاته. واسم العلم هذا المكتوب بأحرف لاتينيّة ليس الظاهرة الوحيدة في الرواية فنجد أنّ شومان لم يتوانَ عن إيراد عددٍ لا بأس به من الكلمات الأجنبيّة في نصّه: end of story (ص: 25)، god bless our sweet home (ص: 31). وبما أنّ هذه الرواية تتناول تفاصيل حياة شاب لبناني عصريّ عمد شومان إلى هذا الأسلوب حرصاً منه على الدّقّة في وصف الواقع ونقله.
أما ببنية هذه الرواية فهي بعيدة كلّ البعد عن البنية التقليديّة للروايات، فتبدأ بحالة الاضطراب المُحيطة بهيثم وليس بوضعٍ أوّل هادئ ومستقرٍّ. يجد القارئ نفسه مباشرةً أمام العقدة فهو لم يعرف هيثم خلال أيّامه العاديّة، لم يعرفه عندما كان يستيقظ ليتناول كوب شايٍ ثمّ يتوجّه إلى جامعته وعمله، إنّما تعرّف إليه بينما كان هذا الأخير يستفيق من حالة سكرٍ ناتجة عن رؤيته حبيبته السابقة برفقة زوجها وابنها في مطعمٍ في شارع الحمراء. في أيّ مطعمٍ؟ طبعاً إنّه مطعم نابوليتانا.
تبدأ الأحداث بالتسلسل. أحداث سريعة مكتوبة بأسلوبٍ معاصر وجديد. يفهم القارئ رويداً رويداً حالة هيثم النفسيّة والعاطفيّة. كان هيثم على علاقةٍ بفتاةٍ أحبّها لمدّة عامين لكنّها تخلَّت عنه، وها هو يراها في النابوليتانا بعد أن حاول جاهداً نسيانها وتخطّي علاقته بها: «هكذا تناسى اسمها. حاذر التلفّظ به أو استدعاءه حتّى في رأسه». (ص: 24). واللافت أنّ شومان يحترم رغبة بطله ولا يذكر اسم الحبيبة ولا يصف شيئاً منها بل يكتفي بما يسمح له به هيثم، فيسمّيها على مدار الرواية «فتاة النابوليتانا» (ص: 98).
وتتدرّج الأمور وتنشأ علاقة بين هيثم ويُمنى المرأة الاربعينيّة وتتغيّر العلاقة بينه وبين صديقيه الوحيدين أمل وهاني اللذين هما على علاقة حبّ ساهم هيثم في نشأتها. وتتطوّر العلاقات بين هيثم وهذه الشخصيّات الثلاث، منها ما يترسّخ ومنها ما يتفسّخ ليدخل بعد ذلك جهاد إلى الصورة. وجهاد شاب لم يتعرّف به هيثم شخصيًّا لكنّه يُتابع أخباره في صفحته على الإنترنت ويروح القارئ يشعر بتأثير جهاد في هيثم. ففي البداية كان هيثم شابًّا خجولاً هادئًا قليل الكلام، لكنّه ومع إكثاره من قراءاته لمدوّنات جهاد يتحوّل إلى رجلٍ غاضبٍ حازمٍ يرغب في الانتقام وإثبات نفسه. فتنتقل شخصيّة جهاد إلى هيثم ليُصبحا وجهين لشخصٍ واحدٍ يشتركان في الظروف عينها والأفكار عينها فكلاهما تخلَّت عنه فتاةٌ أحبّها وكلاهما عاش في بيروت وسار في شوارعها.
تتضمّن هذه الرواية ثلاث نساء (فتاة النابوليتانا، أمل، يُمنى) وثلاثة رجال (هيثم، جهاد، هاني) ولكن من دون ذكر الشخصيّات الهامشيّة كإبراهيم الناطور والرجل الخمسيني في المصعد ونادل نابوليتانا… وتبقى هذه الشخصيّات في الإطار الذي رسمه لها شومان أي أنّها لا تتطوّر ولا يطرأ عليها أي تغيير. فهيثم البطل هو الشخصيّة الوحيدة التي تنمو وتتغيّر وتتكلّم وعبرها يطّلع القارئ على ميزات الشخصيّات الأخرى.
وخلال أربعة أشهرٍ وهي الفترة الزمنيّة التي تدور خلالها أحداث هذه الرواية تنمو شخصيّة هيثم وتتحوّل. ففي البداية كان هيثم طالبًا جدّيًّا رزينًا حائزًا على منحة ويعدّ أطروحة دكتوراه كما أنّه يعمل في مكتبة الجامعة الأميركيّة، هو قليل العلاقات، مُصاب بخيبةٍ من الحبّ، يعيش في غرفةٍ متواضعة في الحمراء قرب جامعته. ولكن بعد أربعة أشهر تتغيّر الصورة. يصبح هيثم شخصاً آخر وهذا ليس وقفاً على طباعه بل هناك مؤشّرات في مظهره تعود إلى هذا التغيير الطارئ. مثلاً في البداية كان هيثم يخجل بساقيه ويسمّيهما «ساقي دجاجة» ولا يجرؤ على ارتداء شورت، أمّا في نهاية الرواية فيتخطّى هذه المشكلة: «رأى ساقيه صارتا أكثر سمنةً وخُيِّل إليه أنّهما لم تعودا ساقي دجاجة» (ص: 122).
أما الأمكنة الداخليّة فهي أربعة: شقّة هيثم، مكتبة الجامعة الأميركيّة، شقّة يُمنى، غرفة أمل في بيت الطالبات في الجامعة الأميركيّة. ويمكن ضمّ مطعم النابوليتانا إلى هذه الأماكن، وعلى رغم أنّه محرّك الأحداث في الرواية لم يمضِ فيه هيثم فترةً طويلة. ويورد شومان وصفاً دقيقاً لشقّة هيثم فهو يفتتح نصّه بها ويختتمه بها مُعيداً وصف أشيائها وما آلَت إليه وكأنّ التغيير الذي طرأ في شخصيّة هيثم قد أثّر بها أيضاً.
يتنقّل هيثم في منطقة الحمراء والأشرفيّة طوال الرواية ولا يتوانى شومان عن ذكر أسماء الأحياء والشوارع: «عين المريسة»، «مقهى الهاردروك»، «ليناز آخر شارع الحمراء»، «مقبرة السوديكو»، «تقاطع بشارة الخوري» وطبعاً «نابوليتانا».
تتداخل في هذه الرواية أنماط متعدّدة منها السرد والوصف والحوار. أمّا الحوار فهو يحافظ على واقعيّته لكونه مكتوباً بلغة عربيّة لبنانيّة عاميّة: «وينِك؟ – إنتَ وينَك؟ إلي من الجمعة عم حاول اتّصل فيكْ وسلليوليرَك مسكّر! – أنا هون بعين المريسة. عالرصيف بوجّ الهاردروك. ميلي». (ص: 21) وما يضفي على الرواية واقعيّةً جديدة هو أنّ شومان لم يتوانَ عن إيراد الشتائم التي تتلفّظ بها الشخصيّات أكان ذلك في العربية أو الإنكليزيّة. ويتميّز أسلوب شومان بسهولته ووضوحه، فجملُه قصيرة ذات وتيرة متقطّعة كما أنّ المفردات المستعملة متداولة ومبتعدة عن التصنّع والتنميق، فهو يميل إلى تبسيط الأمور وإيرادها كما هي عليه في الواقع.
نابوليتانا هي رواية من نتاج الواقع الشبابي المعاصر وتستحقّ أن تُقرأ نظراً للتجديد المهمّ البارز فيها وهو تجديد يشمل مستويين. أوّلاً مستوى المضمون وذلك من ناحية المشاكل التي يتعرّض لها الأبطال ومن خلال رسم شخصيّات الأبطال أنفسهم. ويشمل التجديد الأسلوب، من ناحية عفويّته ومفرداته الشائعة التي تتداخل فيها مفردات أجنبيّة. يعرض شومان باقتضاب وإيجاز تفاصيل حياة طالب بيروتي: تفاصيل حياتيّة، غراميّة، عمليّة تصف الواقع من دون تكراره.